يحيى بن زكريا (عليه السلام)

هو يحيى، أو يوحنا بن زكريا بن برخيا، من سلالة النبي سليمان بن داود (عليه السلام)، كما ذكرنا نسبه في ترجمة أبيه زكريا، وكان يعرف بالمعمدان والسابق.

أمه اليصابات، زقيل: اليزابت، وقيل: ايشاع، وهي أخت مريم بنت عمران (عليها السلام) أم السيد المسيح (عليه السلام).

أحد أنبياء بني إسرائيل، وكان في قمة الكمال والصلاح والزهد والتقى، وكان بارعا في الفقه اليهودي، عالما بأحكامه وأصوله وفروعه منذ صباه، وعرف بحسنه وجماله الفتان.

بعد أن بلغ أبوه من العمر 85 سنة، وأمه 98 سنة، وكان أبوه قد يئس من الولد، فشاءت مشيئة البارىء أن تحمل به أمه، فولدته، فكانت ولادته، وولادة عيسى بن مريم (عليه السلام) في زمان واحد، إلا أنه ولد قبل عيسى (عليه السلام)، لأنه كان ابن ستة أشهر.

كان منذ طفولته يأوي إلى الصحراء، ويأكل الجراد والعسل البري والشجر، ويلبس الوبر.

كان كثير العزلة عن الناس، يانس بالبراري والقفار، ولشدة خشيته من الله تعالى كان كثير البكاء، ومنحه الله ملكة عدم احتياجه إلى النساء.

كان يأكل مع الوحوش من الحيوانات؛ كراهة مخالطة الناس في معايشهم وأرزاقهم.

بعثه الله بالنبوة وهو لم يبلغ الثلاثين من عمره، فقام بإرشاد الناس وهدايتهم عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذ يحثهم على التوبة والاستغفار، فكان يعمدهم يغسلهم في نهر الاردن للتوبة والاستغفار من خطاياهم، فسمى بالمعمدان، ويقال: انه قام بتعميد المسيح (عليه السلام)، وكان يبشر بمجيء السيد المسيح (عليه السلام)، فسمي بالسابق.

كان لبني إسرائيل ملكا بدمشق يدعى هيرودس، وكان معاصرا ليحيى (عليه السلام)، وكانت للملك ابنة أخ يقال لها: هيروديا، وكانت في غاية الحسن والجمال، وكان عمها هيرودس قد عشقها وأراد التزويج بها، فعارضه يحيى عليه الإسلام في ذلك، ونهاه عنه؛ لحرمته وعدم شرعيته، فاتفقت أم هيروديا مع بنتها على أن تطلب البنت من عمها رأس يحيى (عليه السلام) المعارض لزواجهما، فتقدمت بذلك الطلب إلى عمها، فقام الملك بذبح يحيى (عليه السلام) في التاسع والعشرين من شهر آب في أواسط القرن الأول لميلاد المسيح (عليه السلام)، وقدم رأسه لهيروديا، فلما أبصرت بالرأس شهقت وماتت، وكان محل ذبحه بين معبد هيكل سليمان والمذبح ببيت المقدس. وقيل في سبب قتله إن امرأة أحد ملوك اليهود وكانت بغية هويت يحيى (عليه السلام)، وطلبت منه مواقعتها، فلما أبى وامتنع غضبت عليه، فاتهمته ببعض التهم، وطلبت من زوجها قتله، فأرسل إليه الملك من يذبحه وهو يصلى بمسجد حبرون، وقيل: بدمشق، وقيل: ذبح على الصخرة المعروفة في المسجد الأقصى ببيت المقدس.

ولم يزل دمه يفور حتى قدم فلسطين نبوخذ مصر، أو كردوس ملك بابل، وقتل من اليهود 75000 شخص، فعند ذاك توقف دمه عن الفوران، وفي قتله روايات أخر تركناها لعدم الإطالة، استشهد وعمره 45 سنة، وقيل: 40 سنة، وقيل: 31 سنة، وقبره بالجامع الأموي بدمشق.

وبعد أن علم السيد المسيح (عليه السلام) بمقتله جهر بدعوته، وأعلن عن رسالته، فقام بوعظ الناس وإرشادهم.

سمى بيحيى (عليه السلام) لأن الله أحيا به عقر أمه، أو أحياه بالإيمان، أو أحيا قلبه بالنبوة، وكان أول من سمي بهذا الاسم.

ويقال: انه أول من آمن بشريعة السيد المسيح (عليه السلام) وصدقه وعمره ثلاث سنوات.

الصابئة يؤمنون به ويقدسونه، وينسبون اليه كتابا نزل عليه من السماء.

ويرى بعض المؤرخين أن الله أمره أن يعمل بخمسة أصول، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها وهي:

1- عبادة الله وعدم الشرك به.

2- الصلاة.

3- الصيام.

4- الصدقة.

5- الاكثار من ذكر الله عزوجل

القرآن الكريم ويحيى بن زكريا (عليه السلام):

أما الآيات التي نزلت فيه فهي:

1- ﴿أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾(1).

2- ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا﴾(2).

3- ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾(3).

4- ﴿وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا﴾(4).

5- ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا﴾(5).

فقد شملته الآيات التالية:

1- ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾(6).

2- ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾(7).

3- ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾(8).

4- ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾(9).

1-  سورة آل عمران / 39.

2- سورة مريم / 7.

3- سورة مريم / 12.

4- سورة مريم / 13.

5- سورة مريم / 14.

6- سورة البقرة / 61.

7- سورة البقرة / 87.

8- سورة الأنعام / 85.

9- سورة الأنبياء / 90.