المقداد بن الأسود
هو أبو معبد، وقيل: أبو الأسود، وقيل: أبو عمرو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك ابن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد البهراني، الحضرمي، القضاعي، الكندي، وزوجته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب.
كان يعرف بالمقداد بن الأسود، والأسود هو ابن عبد يغوث الزهري، حالفه المقداد فتبناه الأسود فعرف به.
عرف المقداد بالكندي مع كونه بهراني؛ لهروبه من بهراء إلى كندة، فخالفهم وعرف بهم.
صحابي جليل القدر، عالي الشأن، عظيم المنزلة، قديم الإسلام، مهاجر، وصاحب مناقب وفضائل كثيرة، كان بطلا شجاعا. أسلم في بدء الدعوة الإسلامية، وهاجر إلى الحبشة والمدينة المنورة، وعذب لاعتناقه الإسلام.
شهد واقعة بدر وأبلى فيها البلاء الحسن، وكان من أوائل من أظهروا الإسلام بمكة وأعلنوه.
في معركة بدر قال النبي (ص): امض لما أمرت به فنحن معك، والله لا تقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى (عليه السلام): اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فاستحسن النبي (ص) مقالته، ودعا له بالخير، وشهد مع النبي (ص) واقعة بدر وبقية المشاهد كلها.
روى عن النبي (ص) أنه قال: "إن الله عزَّ وجل أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم" فقال الصحابة: سمهم لنا؟ قال (ص): علي (عليه السلام) منهم -قالها ثلاثا- وأبو ذر، والمقداد، وسلمان".
سئل النبي (ص) عن المقداد فقال (ص): "ذاك منا، أبغض الله من أبغضه، وأحب من الله من أحبه".
كان من الموالين المخلصين للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل بيته؛ ومن المتفانين في حبهم وولائهم.
ويعد المترجم له ثاني أركان التشيع الأربعة، وكان من الذين عاضدوا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع أدوار حياته، وكان من الذين أبو مبايعة أبي بكر بعد وفاة النبي (ص).
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "خلقت الأرض لسبعة، بهم ترزقون ، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون، منهم المقداد".
قال الإمام الباقر (عليه السلام): "ارتد الناس بعد وفاة النبي (ص) إلا ثلاثة نفر، وهم: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان".
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "الذي لم يتغير منذ قبض رسول الله (ص) حتى فارق الدنيا طرفة عين هو المقداد بن الأسود، ولم يزل قائما قابضا على قائم السيف، عيناه في عيني أمير المؤمنين (عليه السلام)، منتظر متى يأمره فبمضي".
آخى النبي (ص) بينه وبين أبي ذر الغفاري.
لمَّا تسلم عثمان بن عفان الحكم لم يعترف المترجم له بحكومته ولا بخلافته، وكان لا يسميه بأمير المؤمنين، ولا يصلي خلفه.
كان من جملة الذين شهدوا فتح الديار المصرية.
روى عن النبي (ص) جملة من الأحاديث المعتبرة، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين.
ابتنى دارا بالجرف -قرب المدينة المنورة- ولم يزل يسكنها حتى توفي بها أيام حكومته عثمان سنة 33 هـ، وقيل: سنة 34 هـ، وحمل إلى البقيع في المدينة المنورة ودفن بها، وعمره يوم وفاته كان 70 سنة.
القرآن العزيز والمقداد بن الأسود:
1- شملته الآية 13 من سورة البقرة: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾.
2- والآية 14 من نفس السورة: ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ﴾.
3- كان هو وجماعة من المسلمين يلقون أذى كثيرا من المشركين، فكانوا يقولون للنبي (ص): ائذن لنا في قتال المشركين، فكان يقول (ص) لهم: "كفوا أيديكم عنهم، فإني لم أؤمر بقتالهم" فلما هاجر النبي (ص) إلى المدينة وأمرهم الله سبحانه بقتال المشركين كرهه بعضهم، وشق عليهم، فنزلت فيهم الآية 77 من سورة النساء: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾.
4- خرج في سرية فمروا برجل في غنيمة له، فأرادوا قتله، فقال: لا إله إلا الله، فقتله المقداد، فقيل له: أقتلته وقد قال: لا إله إلا الله، وهو آمن في أهله وماله؟ فلما قدموا على النبي (ص) ذكروا ذلك له، فنزلت فيه الآية 94 من سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.
5- وشملته الآية 87 من سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ وقد ذكرنا سابقا سبب نزول الآية المذكورة.
وكذلك شملته الآيات التالية:
6- ﴿وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾(1).
7- ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾(2).
8- ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾(3).
9- ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾(4).
10- ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾(5).
11- ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾(6).
1- سورة الأنعام / 51.
2- سورة التوبة / 100.
3- سورة الحجر / 47
4- سورة الكهف / 28.
5- سورة الحج / 23.
6- سورة محمد / 2.