زيد بن حارثة

هو أبو شرحبيل، وقيل: أبو أسامة زيد بن حارثة بن شرحبيل، وقيل: شراحيل بن كعب بن عبد العزّى بن يزيد، وقيل: زيد بن امرئ القيس الكلبي، القضاعي، وأمه سُعدى بنت ثعلبة.

من أوائل صحابة رسول الله (ص)، وكان يحبه حباً جماً ويقدمه على أقرانه، فسمّاه: زيد الحب.

كان شديد الإخلاص للنبي (ص)، وكان (ص) يعتمد عليه في الحروب والغزوات؛ لكياسته وحصافته، وكان من الرماة المشهورين.

ولد قبل بعثة النبي (ص) بثلاث وأربعين سنة تقريبا، وكانت عشيرته تسكن بالقرب من دومة الجندل.

في حداثته اختطفه غزاة من بني القين بن جسر وباعوه في الشام، فاشتراه حكيم بن حذام -ابن أخي السيدة خديجة بنت خويلد (ع)- وأهداه إليها، فلما تزوجت خديجة من النبي (ص) أهدته إليه، فتبناه النبي (ص) ورعاه، فكان الناس يسمونه زيد بن محمد (ص)، وقيل: اشتراه النبي (ص) من سوق عكاظ بمكة، قبل بعثته وبعد زواجه من خديجة.

لما علم أبوه -حارثة- بوجوده في مكة، قصدها وطلب من النبي (ص) تحريره مقابل فدية يدفعها للنبي (ص)، فأطلقه النبي (ص)، وأعلن تحريره، وخيّره بين البقاء عنده أو الالتحاق بأبيه، ولكن زيداً قرر البقاء عند النبي (ص) وعدم الذهاب مع أبيه.

آخى النبي (ص) بينه وبين حمزة بن عبد المطلب، وقيل: بينه وبين أسيد بن حضير.

زوجه النبي (ص) من وصيفته، أم أيمن، ثم من ابنة عمته زينب بنت جحش القرشية، ولم يمض طويلاً على زواجه من زينب حتى طلقها، فتزوجها النبي (ص) في السنة الخامسة من الهجرة.

شهد مع النبي (ص) وقائع بدر وأحد والخندق والحديبية، وترأس عدة سرايا.

في شهر جمادى الأولى من السنة الثامنة من الهجرة ولاه النبي (ص) قيادة الجيش الإسلامي لحرب مؤتة، وبعد أن أبلى فيها بلاء حسنا وحارب محاربة الأبطال استشهد على يد الروم في تلك المعركة، وهو ابن 55 سنة.

القرآن الكريم وزيد بن حارثة

نزلت فيه الآية 4 من سورة الأحزاب: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾.

والآية 5 من نفس السورة: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.

وبالنسبة إلى قصته مع زوجته زينب بنت جحش نزلت فيهما الآية 37 من نفس السورة: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾.

وكذلك نوّهت عنه الآية السابقة 37: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾.

وذلك لأنه صمم على طلاق زوجته زينب بعد أن علم بأن النبي (ص) يهواها، فكرهها وأبدى للنبي (ص) كرهه لها، فأخذ النبي (ص) يمنعه من طلاقها ويحثه على إبقائها عنده.

وبعد أن زعمت العرب بأنه ابن للنبي (ص) نزلت فيه الآية 40 من نفس الآية المذكورة آنفا ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ﴾.

اتخذ المترجَم له بعض اليهود والمشركين أصحابا وأصدقاء له فنزلت فيه الآية 13 من الممتحنة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾.