زليخـا
هي زليخا، وقيل: زلخا، وقيل: راعيل، وقيل: فكة بنت ملك المغرب هيموس، وقيل: رعاييل، وقيل: بوش، وأمها أخت الملك الريان بن الوليد صاحب مصر.
زوجة قطفير، وقيل: أطفير، وقيل: طيفار بن رجيب وزير ملك مصر، وكان يلقب بالعزيز، وهي تعرف بامرأة العزيز.
كانت آية في الحسن والجمال، وكان زوجها عنينا لا يستطيع التقرب إلى النساء.
لما جيء بيوسف الصديق إلى مصر اشتراه زوجها ليتخذه ولدا له، فلما رأته زليخا بهرت بجماله وحسن هندامه، فشغفت به حباً، وأخذت تغريه بنفسها، وتعرض عليه مفاتنها ومحاسنها، ثم أدخلته إحدى غرف قصرها وأوصدت أبوابها، وقالت له: قد هيأت لك نفسي فأقبل عليّ.
لما علم يوسف بنيتها وسمع مقالتها استنكر ونفر قائلاً: إن الله سيحميني من الإثم، وكيف أقدم على ما تريدين وزوجك سيد نعمتي حيث أكرمني وأحسن مثواي، فكيف أقابل إحسانه بالخيانة والإثم؟ فأخذت تلح عليه بان يواقعها؛ ويوسف (ع) يأبى أن يعطيها ما تريد، وانفلت منها إلى باب الغرفة -يريد الهرب منها- فجذبت قميصه لتمنعه من الفرار، فتمزق القميص من الخلف، واستطاع أن يفلت منها ويخرج إلى خارج الغرفة، وفي تلك اللحظة دخل زوجها، فلما رأته اتهمت يوسف بمحاولة الغصب والزنا، وطلبت من زوجها معاقبته وسجنه، فأخذ يوسف (ع) يدافع عن نفسه، قائلاً: هي التي حاولت خيانتك أيها العزيز، وأنا امتنعت عن ذلك، وفي تلك الأثناء حضر أحد أقربائها، فأعلموه بالقضية، فحكم قائلاً: إن كان القميص شق من أمامها فهو كاذب وزليخا هي الصادقة، وإن كان القميص شق من الخلف فزليخا كاذبة وكان الحق مع يوسف (ع).
فلما رأى زوجها القميص مشقوقاً من الخلف، قال: الحق مع يوس، زما تدعينه كيد من كيد النساء ومكرهن، فطلب العزيز من يوسف (ع) عدم إفشاء الفضيحة وكتمانها عن الناس، وقال لزليخا: استغفري لربك وتوبي إليه من الإثم الذي أقدمتِ عليه.
ولم يزل يوسف (ع) يكابد حوادث الأيام -والتي سنفصلها إن شاء الله في ترجمة حياته- حت عينه الملك عزيزاً لمصر مكان زوج زليخا، فلما مات زوجها الملك من يوسف، فلما دخل بها وجدها عذراء لأن زوجها -كما أسلفنا- كان عنيناً، فقال لها: أليس هذا خيراً مما كنتِ تريدين؟ فقالت: أيها الصديق لا تلمني، فإني كنت امرأة فائقة الحسن والجمال، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنت -كما جعلك الله- في هذه المنزلة من الحسن والجمال الخارق، فغلبتني نفسي.
ويقال: إن يوسف (ع) في أحد الأيام مر على زليخا وهي جالسة على مزبلة في الطريف، فقالت: الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيدا، وجعل العبيد بطاعتهم ملوكا، أصابتنا فاقة فتصدق علينا، فتزوجها وكانت قد تقدم بها السن، فطلبت منه أن يسأل الله أن يرد عليها شبابها وصباها، فطلب يوسف (ع) ذلك من الله سبحانه، فرد الله عليها شبابها وجمالها.
أنجبت له ولدين: أفرايم ومنشا.
القرآن المجيد وزليخا
جاءت قصتها مع نبي الله يوسف الصديق (ع) في القرآن العزيز ضمن آيات من سورة يوسف، كما يلي:
1- ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾(1).
2- ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾(2).
3- ﴿وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(3).
4- ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ﴾(4).
5- ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ﴾(5).
6- ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾(6).
7- ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾(7).
ولما انتشر خبر مراودتها ليوسف (ع) عند نساء مصر قلن: إن امرأة العزيز أغوت خادمها وراودتها عن نفسه ليطيعها فيما تريده؛ وبعملها هذا ضلت وابتعدت عن جادة الصواب.
فلما سمعت زليخا بحديث النسوة قررت الدفاع عن نفسها، فعملت وليمة ودعت إليها أشراف نساء قومها -وعددهن حوالي أربعين امرأة- فلما حضرن على الخوان أعطت كل واحدة منهن سكينا لقطع اللحوم والفواكه، ثم دعت بيوسف (ع) وأحضرته أمامهن على المائدة، فلما رأينه عجبن من جماله، وانبهرن من حسنه الفائق، فأخذن يجرحن أيديهن بالسكاكين وهن لا يشعرن من فرط جماله وانشغافهن بحسنه وكماله، وقيل: إن سبعاً من تلك النسوة فارقن الحياة؛ لشدة وجدهن بيوسف (ع)، فلما رأت زليخا دهشتهن منه قالت: هذا الفتى الذي لمتنني في حبه، وحاولت إغراءه فامتنع.
أشار الذكر الحكيم إلى ما تقدم في الآيات التالية من سورة يوسف:
1- ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِين﴾(8).
2- ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾(9).
3- ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾(10).
4- ﴿وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾(11).
5- ﴿فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾(12).
6- ﴿أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾(13).
1- سورة يوسف / 23.
2- سورة يوسف / 24.
3- سورة يوسف / 25.
4- سورة يوسف / 26.
5- سورة يوسف / 27.
6- سورة يوسف / 28.
7- سورة يوسف / 29.
8- سورة يوسف / 30.
9- سورة يوسف / 31.
10- سورة يوسف / 32.
11- سورة يوسف / 33.
12- سورة يوسف / 34.
13- سورة يوسف / 51.