ذُو القرنين
بطل من أبطال التأريخ، وعظيم من عظماء البشرية، اختلف المحققون والمؤرخون في اسمه ونسبه والفترة الزمنية التي عاش فيها.
قيل: هو عيّاش، أو عبدالله بن الضحاك بن معبد، وقيل: هو أبو كرب شمر بن عمير بن افريقش الحميري، وقيل: هو صعب بن ذي مرائد بن الحارث الرائش الحميري، وقيل: هو لقب داريوش أو كورش أحد ملوك الدولة الهخامنشية بفارس.
وهناك من جعله لقبًا للإسكندر بن فيلقوس أو فيليب الثاني بن مضريم بن هرمس بن هيدودس اليوناني، وكان وثنيًا يعبد الأصنام.
أما المذكور في القرآن الكريم- ونحن بصدده- كان عبدًا مؤمنًا صالحًا عادلاً فاضلاً، أحب الله فأحبه، ونصح لله فنصح له.
جعله الله من أعظم ملوك الأرض، فملك ما بين المشرق والمغرب، ومكّنهُ الله في الأرض، وبسط يده عليها، وسخر له السحاب، فحمله حيث يشاء، وبسط له النور، فكان الليل والنهار عليه سواء، ومنحه العلم والهيبة والحكمة والسداد.
كان منذ نعومة أظافره يتصف بالآداب الفاضلة والأخلاق الحسنة والعفة والرزانة.
كان في فتوحاته إذا مرّ بمدينة زأر فيها كما يزأر الأسد الغضبان، فتنبعث فيها ظلمات ورعد وبرق وصواعق تهلك من يقف في وجهه ويناوئه.
في أوائل أيّامه رأى في المنام أنّه قرب من الشمس وأخذ بقرينها، شرقها وغربها، فأخبر قومه برؤياه، فسمّوه بذي القرنين، ثم آمن بالله وأسلم له، ودعا قومه إلى ذلك فأطاعوه، ثم بنى لهم مسجدًا ليتّخذوه معبدًا يعبدون الله فيه.
وبعد أن منحه الله البسطه في الأرض زودَّه بمزايا خاصة، فجعله يسمع كل صوت قريب أو بعيد، ويفقه كل شيء، وسخّر له النور والظلمة.
أخذ يجوب أقطار العلم داعيًا الناس إلى الإيمان بالله وتوحيده، فإن أطاعوه ولبّوا دعوته تركهم وشأنهم، وإن عصوه وخالفوه أغشاهم بالظلام، فكانت تظلم مدنهم وقلاعهم وبيوتهم وتغشى أبصارهم، ويستمرون على تلك الحالة حتى يؤمنوا.
عاش بعد عصر نبيّ الله نوح (ع)، وعاصر إبراهيم الخليل (ع)، فاستقبله الخليل (ع) وصافحه، فكانا أوّل متصافحين على سطح الأرض، وقيل: كان موجودًا قبل الخليل (ع)، ويقال: إنه صحب الخضر(ع).
في أيام ابتلى الناس بقومي يأجوج ومأجوج -الذين اتصفوا بصفات خاصّة تفردهم عن سائر الناس، وكانوا يفسدون في الأرض ويبدون كل شيء لهمجيتهم وخباثة فطرهم- استغاث الناس به واستنصروه ليخلِّصهم منهم، فاستجاب لهم، وأمر ببناء سدّ ضخم أمام جحافلهم وحشودهم، فحبسهم في بلادهم، ومنعهم من الزحف والنفوذ إلى سائر الأقطار والأمصار، فتخلّص الناس من شرورهم.
اختلف المؤرخون في مكان السد، فقيل: كان وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي مؤخرهما البحر المحيط، وقيل: كان وراء دربند وخزر من ناحية بلاد أرمينية وآذربيجان، وقيل: كان في جبال القوقاز.
ذكرت أسباب لتسميته بذي القرنين منها:
1- بلوغه الأرض وشرقها.
2- بلوغه قرني الشمس، مغربها ومشرقها.
3- كان على رأسه ما يشبه القرنين.
4- كان يلبس تاجًا له قرنان.
5- طاف قرني الدنيا، شرقها وغربها.
دعا قومه إلى الله فضربوه على قرن رأسه الأيمن فأماته الله خمسمائة عام، ثم بعثه الله إليهم بعد ذلك، فضربوه على قرنه الأيسر فأماته الله خمسمائة عام أُخرى، ثم بعثه الله إليهم، فملّكه الأرض ومغاربها، فسمِّي بذي القرنين.
وهناك أسباب أُخرى لتسميته بذي القرنين تركتها للاختصار.
عمّر 500عام، وكان له خليل من الملائكة يُدعى رُفائيل، فكان ينزل إليه ويحدثه ويناجيه.
أما الإسكندر اليوناني الذي كان يُعرف بذي القرنين أيضًا، فإنه لمّا مات أبوه فيلقوس تمكن من أن يجمع الروم في مملكة واحدة بعد أن كانوا طوائف متفرقة، وحشّد جيشًا عرمرمًا ضخمًا توجه به نحو بلاد المغرب وأخضعها لحكومته، ثم واصل زحفه حتى وصل البحر الخضر، ومنه توجه إلى بلاد الشام وافتحها، وأخضع لحكمه ملوك بني إسرائيل، ثم غزا بلاد ما بين النهرين -العراق- واحتلها، ثم استولى على بلاد فارس وقتل ملكها -دارا- ثم واصل زحفه نحو الهند والصين، وأخضعهما لحكومته.
وبعد تلك الفتوحات عاد إلى العراق عن طريق خراسان، فلما وصل إلى مدينة شهر زور مرض بها لمدة قصيرة، ثم هلك بها سنة 323 قبل ميلاد المسيح (ع)، وكان عمره يومئذ، 36 سنة، وقيل: لم يبلغ 33 سنة، وقيل: توفي ببيت المقدس، ونقل رُفاته إلى الإسكندرية فدفن فيها.
وهناك أقوال أُخر تدور حول شخصية ذي القرنين تركتها لعدم الإطالة.
القرآن العظيم وذو القرنين
1- ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا﴾(1).
2- ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾(1).
3- ﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾(1).
4- ﴿قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾(1).
5- ﴿قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا﴾(1).
6- ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا﴾(1).
7- ﴿كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا﴾(1).
8- ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾(1).
9- ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّ﴾(1).
10- ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾(1).
11- ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾(1).
12- ﴿قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾(1).
1- سورة الكهف / 83.
2- سورة الكهف / 84.
3- سورة الكهف / 85.
4- سورة الكهف / 86.
5- سورة الكهف / 87.
6- سورة الكهف / 90.
7- سورة الكهف / 91.
8- سورة الكهف / 93.
9- سورة الكهف / 94.
10-سورة الكهف / 95.
11- سورة الكهف / 96.
12- سورة الكهف / 98.