حديثٌ حول سورة الماعون -1

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمدُ لله الذي علا بتوحيدِه، وجلَّ في سلطانِه، وعظُمَ في بُرهانِه، مَجيداً لم يزلْ ومحموداً لا يزال، سُبوحٌ قُدُّوس، ربُّ الملائكةِ والرُّوحِ، يَلحظُ كلَّ عينٍ، والعيونُ لا تَراهُ، كريمٌ حليمٌ ذو أناة، قد وسِعَ كلَّ شيءٍ رحمتُه، ومنَّ عليهم بنعمتِه، لا يعجلُ عليهم بانتقام، ولا يبادرُ إليهم بما استحقُّوا من عذابه، له الإحاطةُ بكلِّ شيء، والغلبةُ لكلِّ شيء، والقوةُ بكلِّ شيء، والقدرةُ على كلِّ شيء ، ليس كمثله شيء، وهو منشئ الشيء حين لا شيء، ودائمٌ غني، وقائمٌ بالقسط، لا إلهَ إلا هو العزيزُ الحكيم. وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه، وأشهد أَنَّ مُحَمَّداً (ص) عَبْدُه ورَسُولُه.

 

أوصيكم عبادَ الله ونفسي بتقوى اللهِ وحسنَ النظر لأنفسِكم وقلةَ الغفلة عن معادِكم وابتياعَ ما يبقى بما يفنى، واعلموا أنَّها أيامٌ معدودة، والأرزاقُ مقسومةُ، والآجالُ معلومة والآخرة أبدٌ لا أمد له، وأجلٌ لا منتهى له، ونعيمٌ لا زوال له، فاعرفوا ما تُريدون وما يُراد بكم.

 

يقولُ الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ / فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ / وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾(1).

 

الآياتُ التي تلوناها من سورة الماعون، وهي من قِصارِ سوَرِ القرآن المجيد، وهي بنظر أكثر المفسرين مكيةُ النزول بمعنى أنَّ ظرفَ نزولِها كان في مكة الشريفة.

 

مدركُ البناء على مكيَّة السورة:

ويُمكن تأييدُ ذلك بقرينتين:

القرينة الأولى: المضامينُ التي اشتملتْ عليها السورةُ المباركة، فقد تصدَّت للحديث عن بعض الآثار السيئة الناشئة عن التكذيب بيوم القيامة، وهذا النحوُ من المضامين وكما يذكرُ المفسِّرون - قد تمَّ التركيزُ عليه في أوائل الدعوة والتي كان منطلَقُها مكةَ الشريفة. ففي أوائل الدعوة غالباً ما يُركِّز الخطابُ القرآنيُّ على الأصول الاعتقاديَّة مثلِ التوحيدِ والرسالةِ والمعاد، وذلك لغرض التعريفِ بها وتأصيلِها والاستدلالِ على واقعيتِها وبيانِ الآثارِ المترتِّبة عليها. ولم يتصدَ الخطابُ القرآنيُّ في أوائل الدعوة كثيراً إلى بيان الشؤون التشريعيَّة في الإسلام.

 

فلأنَّ مضامينَ السورةِ المباركة مناسبةٌ للمضامين التي عالجَها الخطابُ القرآنيُّ في مكةَ الشريفة في بدايةِ الدعوة لذلك أمكنَ القولُ إنَّ هذه القرينة شاهدٌ على مكيَّة السورة المباركة.

 

القرينة الثانية: هي ما ورد في سبب نزول هذه السورة المباركة، فقد ورد أنَّها نزلت في أبي جهل ورُوي أنَّه كان وصيَّاً على يتيم فجاءه يسألُه أنْ يبتاعَ له من ماله ثوباً يلبسُها فدفعه دفعاً عنيفاً ولم يستجب لطلبه.(2) وروى ابنُ جُريج أنَّها نزلت في أبي سفيان كان ينحرُ جزورين في كلِّ أسبوع فأتاه يتيمٌ فسأله لحماً فقرَّعه بعصاه. فنزلت ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ / فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾(3) وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة أكثر قريشٍ ثراءً، وقيل نزلت في العاص بن وائل السهمي، ولعلَّها نزلت لوقائع متقاربة متَّصلة بهؤلاء المذكورين وغيرهم، ويؤيد ذلك ما أفاده عليُّ بن إبراهيم القمِّي في تفسيره قال:"نزلت في أبي جهلٍ وكفارِ قريش"(4).

 

وعلى أيِّ تقدير فإنَّه لو تمت هذه الروايات فإنَّها تكونُ شاهداً آخر على دعوى نزول سورة الماعون في مكَّة المكرمة كما هو واضح.

 

هذا وقد تبنَّى بعض المفسِّرين القول بأنَّ نصفَ السورةِ قد نزلَ في مكة، والنصفَ الآخر نزلَ في المدينة المنورة، ولعلَّ ممَّا يُؤيدُ ذلك هو أنَّ النصف الثاني من السورة يتحدَّث عن الصلاةِ والاستخفافِ بها وعن الرياء في أداء العباداتِ، وهذا إنَّما يُناسبُ الآياتِ التي نزلت في العهد المدنيِّ، لكنَّ هذا المقدار لا يكفي للبناء على تماميَّة هذه الدعوى.

 

التعريف بمفردات السورة:

ثم إنَّ الحديث حول السورة يقع في محاور:

المحور الأول: في بيان مفردات الآيات التي تلوناها من السورة المباركة.

فقد بدأت السورة بقوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ﴾ وهو خطابٌ موجَّه للنبيِّ الكريم (ص) باعتباره المتلقِّي للوحي إلا أنَّ المعنيَّ واقعاً من هذا الخطاب هو كلُّ عاقل، إذ أنَّ مضامين الآيات تستثيرُ في الإنسان عقلَه لغرض إيقافِه على واحدةٍ من الحقائق التي لا ينبغي لعاقلٍ أنْ يُغفلَها أو يتعالى عليها.

 

وأمَّا المرادُ من الرؤية في قوله: ﴿أَرَأَيْتَ﴾ فهو إما أنْ تكونَ بمعنى الرؤية البصرية، أو أنَّ الرؤيةَ بمعنى المعرفة، فمؤدَّى الآية بناءً على الاحتمال الثاني هو: أعرِفتَ الذي يُكذِّب بالدين وهذا الاحتمال هو الأنسب بظاهر الآية المباركة وبمساقها وموضوعها.

 

فهي قد سيقت بصيغةِ الاستفهامِ المستبطِن لمعنى التعجُّب لغرض المبالغة في التشنيع على المكذِّبِ بيوم الدين وأنَّه كيف يكذِّب بأمرٍ ينبغي أنْ يكون من الواضحات أو أنَّه كيف استقرَّت نفسُه على الإنكار أو التجاهلِ لشيءٍ يعودُ بالضرر عليه في المآل، فالإنكارُ ليوم الدين يصرفُ الإنسان عن فعل ما يُنجِّيه، ويدفعُه إلى فعل ما يُوبقُه، وذلك لا يقدمُ عليه عاقلٌ يخشى على مصيره، فمفادُ الاستفهام هو التعبير عن التعجُّب لقيام المتعجَّبِ منه بما لا ينبغي فعلُه تماماً كما يقول أحدُنا لصاحبه أرأيتَ ما فعل زيدٌ من حماقة؟! وكيف عرَّض نفسَه للاستهجان؟!.

 

ثم إنَّ الآية افترضت أنَّ المخاطَب يطلب التشخيص لصفاتِ المكذِّب بيوم الدين لذلك تصدَّت الآياتُ التي بعدها لبيان ما يُميِّز المكذِّبَ ليوم الدين من الصفات أو أنَّها تصدَّت لبيان الصفات التي هي من لوازم التكذيبِ بيوم الدين وهي الدعُّ لليتيم وعدمُ الحضِّ على طعام المسكين.

 

التكذيب الاعتقادي بالدِّين:

وأمَّا المراد من التكذيب بيوم الدين فهو يحتملُ أحدَ معنيين:

المعنى الأول: التكذيبُ الاعتقاديُّ بمعنى الإنكار والجحود، فإذا كان المراد من لفظ (الدِّين) في السورة المباركة هو يوم المعاد والجزاء فإنَّ معنى التكذيب الاعتقادي هو الإنكار والجحود ليوم الجزاء. وعليه يكونُ معنى قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ / فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ هو أنَّ من الآثار المترتبة على إنكار يوم المعاد والجزاء هو دعُّ اليتيم، فلأنَّ المؤمن بيوم المعاد يخشى من العقوبةِ الإلهيَّةِ المترتِّبةِ على ظلمِ اليتيم لذلك فهو لا يُقدِمُ على ظلمِه والإساءةِ إليه، وأما غيرُ المعتقِد بيومِ المعادِ والجزاء فلا يحجزُه شيءٌ عن الظلمِ والإساءةِ لليتيم، لذلك فهو يدعُّ اليتيم بلا وازعٍ ولا رادع.

 

ثم إنَّ التكذيب الاعتقادي مساوقٌ للكفر، وذلك لأنَّ الإيمان بيوم المعاد من الأصول الاعتقاديَّة المقتضي إنكارُها الإنكار لرسالةِ الرسول الكريم (ص) فالإنكارُ للمعاد تكذيبٌ للرسول (ص) ولما جاء به عن ربِّه من أنَّ الساعة آتيةٌ لا ريبَ فيها، وبذلك يكون الإنكارُ للمعاد إنكاراً لرسالةِ الرسول الكريم (ص) والتي هي الأصل الثاني من أصول العقيدة. فالمنكرُ للمعاد منكرٌ لرسالة الرسول (ص).

 

التكذيب العمليِّ بالدين:

المعنى الثاني: أنَّ المرادَ من التكذيبِ بيوم الدين هو التكذيبُ العمليُّ وذلك بفعل ما يُعبِّر عن عدم الإيمانِ الصادق بيومِ المعاد، فالإنسانُ قد يؤمنُ قلباً وعقلاً بيومِ المعاد إلا أنَّ هذا الإيمان لا ينعكسُ على سلوكِه، فهو يقرُّ ويُذعِنُ بيوم المعاد لكنَّ أفعالَه أفعالُ من يُنكره ويجحدُ بوقوعِه، إذ أنَّ المنتظَر ممَّن يؤمنُ بيوم المعادِ والحساب هو المحاذرةُ من الإقامة على الذنوب خصوصًا الكبائرَ منها والتي توعَّد اللهُ مرتكبَها بالنار والعقاب، فالإنسانُ بطبعِه يخشى من الوقوعَ في العقوبة، فإذا وجدتَه مقيماً على ارتكابِ الذنوب فهو غيرُ صادقٍ في إيمانه بيوم الجزاء والحساب، إذ لو كان إيمانُه بيوم الحسابِ والجزاء حقيقيَّاً وصادقاً لحاذرَ مِن أنْ يفعلَ ما يُوجب استحقاقَه للعقاب، ولو ضعُفَ فاجترح بعضَ الذنوب فإنَّه يُبادرُ إلى التراجعِ والتدارُكِ والتوبةِ، فعدمُ المحاذرةِ من ارتكابِ الذنوب وعدمُ المبادرةِ إلى التوبةِ لو اتَّفقَ اجتراحُه لبعضِ الذنوب يكشفُ عن عدم الإيمانِ الصادقِ بيومِ الجزاء، وهذا هو المرادُ من التكذيب العمليِّ بيوم الدين.

 

وأمَّا المرادُ من (الدِّين) في الآية فهو- كما تبيَّن ممَّا تقدَّم- يومُ المعاد والجزاء والذي هو يوم القيامة، وقد استعملَ القرآنُ هذا اللفظ لإفادة هذا المعنى في آيات عديدة في كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾(5).

 

وذهب بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ المراد من لفظ الدِّين في الآية المباركة هو الإسلام بقرينة قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾(6) وبناءً على ذلك يكون المرادُ من الآية المباركة هو أنَّه لا يكون الإنسانُ مؤمنًا بالإسلام وهو يدعُّ اليتيم، ولا يحضُّ على طعام المسكين، إذ أنَّ مِن أهمِّ فروضِ الإسلام هو عدمُ الظلمِ والإساءةِ لليتيم، ولزومُ إعطاءِ المسكين حقَّه.

 

ومعنى الدعِّ هو الدفعُ والردُّ بعنفٍ وقسوة، كما في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾(7) أي يدفعون إليها بعن، فدعُّ اليتيم معناه تعنيفُه وزجرُه، وقد ورد أنَّ المراد منه مطلقُ الظلم لليتيم، فردِّ اليتيم بعنفٍ ما هو إلا مظهرٌ من مظاهر الظلم لليتيم، ولعلَّه أدنى مراتب الظلم وإنَّما تمَّ التشنيع في الآية على هذه المرتبة من ظلم اليتيم ليُعلمَ أنَّ ما عداها أولى بالتشنيع، فظلمُ اليتيم يكونُ بدفعه عن حقِّه والحيلولةِ دون استيفائه لحقِّه، ويكون بالتعدِّي على حقِّه والاستحواذِ على أمواله أو على شيءٍ منها، ويكونُ بالتضييع لحقِّه وعدم الرعاية له.

 

والمراد من اليتيم هو مَن فقد أباهُ وهو في سنِّ الصبا.

 

وهنا أودُّ الوقوف قليلاً للإشارة إلى ما هو الملاحَظُ من اهتمام الإسلام البالغ بشأنِ اليتامى، فقد تصدّى القرآنُ المجيد كثيرًا للنهي عن أكلِ مال اليتامى ظلمًا وأفاد أنَّ من يأكلون أموال اليتامى إنَّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا، وتصدَّى القرآنُ وكذلك السنَّةُ الشريفة لبيان حقوقِ اليتيم كحقِّه في الميراث والحضانة والتربية والرعاية وأكّد أنَّ له ذمةً ماليَّة كما لغيره من الشرائح الاجتماعيَّة. فما هو منشأُ هذا الاهتمام؟

 

النهيُ عن ظلم اليتيم من مقتضيات الفطرة:

الظاهر أنَّ ذلك نشأ عن منشأين رئيسين:

المنشأ الأول: هو أنَّ الإسلام لمَّا كان دين الفطرة فهو ينطلقُ في أحكامه وتشريعاته من وحي ومقتضيات الفطرة، ولأنَّ الظلمَ مستبشَعٌ ومستقبَح بمقتضى الفطرة، ولأنَّه كلَّما كان المظلومُ أشدَّ ضعفًا كلَّما كان ظلمُه أشدَّ قبحًا لذلك اهتمَّ الإسلامُ باليتيم اهتمامًا ملفتًا.

 

فاليتيم الذي فقد أباه الذي يرعاهُ ويكنفُه، ويحنو عليه، ويدفعُ عنه الآفاتِ، ويبذلُ كلَّ ما في وسْعِه لأجل حياطتِه وحمايةِ حقوقه، هذا اليتيمُ بفقدِه لأبيه يكونُ قد فقد السائسَ والراعيَ لشؤونِه، ولأنَّه في عُمرِ الصبا لذلك فهو لا يُحسنُ التدبيرَ لشؤونِه ولا يقوى على الدفاع عن نفسِه وعن حقوقِه، فهو في الوقتِ الذي يشعرُ بفراغٍ عاطفيٍّ ويكونُ في أمسِّ الحاجةِ لمَن يتولى تدبيرَ معاشه قد يجدُ من ينتهكُ حقوقَه لضعفِه عن رعايتها وقد يجدُ من يُؤذيه ويُسيءُ إليه لعجزِه عن الانتصار لنفسِه لذلك استرعى اهتمامًا لافتًا من الإسلام، فأوصى بأنْ يرعى المسلمون حقوقَه ومشاعرَه وأنْ يُبالغوا في العطف عليه والرأفةِ به تعويضًا له عن الرعايةِ والعطفِ الذي فقدَه بفقدِه لأبيه.

 

القضاء على ظاهرة كانت سائدة في العصر الجاهلي:

المنشأ الثاني: هو أنَّ الإسلامَ أرادَ من هذا الاهتمام القضاءَ على ظاهرةٍ اجتماعيَّةٍ كانت سائدةً في الأوساط الجاهليَّة، فأراد استبدالَها بظاهرةٍ وثقافةٍ جديدة تتناغمُ مع فطرةِ الإنسان.

 

كان العربُ في الجاهليَّةِ يُسيئون للأيتامِ والنساء ويستضعفونَهم، فقد كانوا لا يرونَ للطفل والمرأة حقَّاً في الميراثِ مثلاً، ويقولون "إنَّما يحوزُ المالَ من يطعنُ بالسنان ويضربُ بالحُسام"(8) فجاء الإسلامُ ليُلغيَ هذه الثَّقافةَ ويؤكِّد على استحقاق اليتيمِ لميراث والده وسائر قرابته وأنَّ ضعفَه لا يُسوِّغُ حرمانَه من حقوقه، وأنَّ الحقوقَ لا تكون على أساس القوَّةِ والاقتدار. وهكذا الشأنُ بالنسبةِ للمرأة فهي تستحقُّ ميراثَ والدِها وزوجِها وسائرِ أقاربِها كما أنَّ لها الحقَّ في أنْ تملك وأنْ تتصرف في ممتلكاتها كيفما شاءت، قال تعالى: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ﴾(9).

 

ثم إنَّ حرمانَ المرأة من الميراث والتملُّكِ لم يكن خاصَّاً بعرب الجاهليَّة، فقد كانت الحضارةُ الرومانية كذلك تحرمُ المرأةَ من حقِّها في التملُّك والميراث، والقانونُ الرومانيُّ الذي يتفاخرُ به الغربُ لم يُلغِ هذا الإجراءِ الظَّالم إلا في مرحةٍ متأخرة، فقد كان ينصُّ على أنَّه ليس للمرأة ذمَّةٌ ماليَّة، وأنَّها تابعةٌ لأبيها ثم لزوجِها.

 

أمَّا الإسلام فليس كذلك فقد نصَّ على حقوق المرأة والطفل، فليس في التشريع الإسلامي فراغٌ كما يتوهمون أو كما يُروِّجون بل له في مطلقِ أحوالِ الأسرةِ تشريعاتٌ مفصَّلة كما أنَّه لم يشرِّع ما فيه حيفٌ وظلمٌ، فلسنا بحاجةٍ إلى نسعى لاستيراد تشريعاتٍ وقوانينَ ترتبط بأحوال الأسرة ممَّن هم بحاجةٍ إلى الإسلام وتشريعاتِه، ولو أنَّهم أنصفونا لعرفوا أنَّهم في أشدِّ الحاجة إلى ما جاء به الإسلامُ من تشريعاتٍ وقوانين في مختلفِ الشؤونِ والأحوالِ وفي مختلف الوقائع والنوازل.

 

نستكملُ الحديثَ حولَ السورةِ فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.

 

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد، واغفرْ لعبادِك المؤمنين

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ / وَالْعَصْرِ / إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ / إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾(10).

 

 والحمد لله ربِّ العالمين

 

خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور

23 من محرم الحرام 1445هـ - الموافق 11 اغسطس 2023م

جامع الإمام الصّادق (عليه السلام) - الدّراز

---------------------

1- سورة الماعون / 1-3.

2- بحار الأنوار-المجلسي- ج9 / ص171، أنوار التنزيل -البيضاوي- ج5 / ص341.

3- أسباب نزول الآيات -الواحدي النيسابوري- ص306.

4- تفسير القمي -علي بن إبراهيم القمي- ج2 / ص444.

5- سورة المعارج / 26.

6- سورة آل عمران / 19.

7- سورة الطور/ 13.

8- الجامع لأحكام القرآن -القرطبي- ج20 /  ص211.

9- سورة النساء / 32.

10- سورة العصر / 1-3.