معنى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

قرأت هذه الآية من سورة فصلت فلم أفهم المراد منها وهي قوله تعالى: ﴿فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْوَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾(1) فأرجو إيضاح المراد منها.

 

الجواب:

الآية المباركة تتحدَّث عن أعداء الله من الكافرين والعصاة كما يتضح ذلك من ملاحظة سياق الآيات التي سبقت هذه الآية، فهي قد بدأت بقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾(2) ثم تحدَّثت الآيات عن إقامة الحجَّة عليهم وذلك من طريق استنطاق سمعِهم وأبصارهم وجلودهم فيشهد كلٌّ منها عليهم بما اجترحوه من مُوبقات يقول تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(3) ثم أفادت الآية أنَّه لذلك ستكون النار هي مثواهم وموضع إقامتهم وأنَّ هذا المصير البائس الذي سينتهون إليه لن يجدوا منه مخلصاً بل هو واقعٌ بهم سواء صبروا عليه واستسلموا لمصيرهم أو أنَّهم طلبوا العفو والرضا، فعلى كلا التقديرين لن يجدوا خلاصاً من العذاب المقدَّر عليهم.

 

فقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ يعني إن طلبوا العفو والرضا فإنَّه لن يُعفى عنهم ولن يحظوا بالرضى أو بتعبير آخر إنْ يعتذروا فإنَّ عذرهم لن يقبل منهم. وإن يستقيلوا ممَّا لزمهم فإنَّهم لن يُقالوا ولن تُقبل استقالتهم.

 

فمعنى الاستعتاب هو الاسترضاء أي طلب الرضى، ومعنى المُعتَب هو مَن قُبل استعتابه فصار مرضيَّاً عنه بعد أنْ كان مسخوطاً عليه، فقوله: ﴿فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ معناه فما هم من الذين سيُقبلُ استعتابهم واسترضاؤهم.

 

والمتحصَّل: إنَّ مفاد الآية هو أنَّ أصحاب النار سيظلُّون قابعين في جهنَّم سواء عليهم استسلموا لمصيرهم فلم يبثُّوا الشكاية أو أخذوا في الاعتذار وطلبوا العتبي والرضا فإنَّ حالهم لن تتغيَّر في كلا الفرضين، فمفاد الآية قريبٌ من معنى قوله تعالى: ﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(4) وكذلك هو قريب من معنى قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ﴾(5) أي إنَّ المصير البائس الذي آلوا إليه محتومٌ عليهم لا منجى منه، ولا يُجدي معه الاعتذار وطلب العتبى والرضا، ذلك لأنَّ الوقت الذي يُقبل فيه العذر -وهو عالم الدنيا قد انقضى ومضى- وهم سادرون في غيِّهم، وعالم الآخرة هو عالمُ الجزاء. كما أفاد الرسولُ الكريم (ص) في الحديث الشريف المرويِّ عنه: "فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِه مَا بَعْدَ الدُّنْيَا مِنْ مُسْتَعْتَبٍ ومَا بَعْدَهَا مِنْ دَارٍ إِلَّا الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ"(6).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

23 / شعبان / 1445ه

5 / مارس / 2024م

--------------------------------

1- سورة فصلت / 24.

2- سورة فصلت / 19.

3- سورة فصلت / 20.

4- سورة الطور / 16.

5- سورة إبراهيم / 21.

6- الكافي -الكليني- ج2 / ص70.