إعراب ومعنى:﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾

 بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

قوله تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾(1) لماذا فُتحت كلمة الشُّحِّ أليست نعتاً لكلمة الأنفس؟

الجواب:

كلمة الشُّحِّ ليست نعتاً لكلمة الأنفس وإنَّما هي مفعولٌ به ثانٍ للفعل أُحضرت.

وبيان ذلك:

إنَّ كلمة "أحضرٌ فعلٌ ماضٍ ينصب مفعولين بسبب اقترانه بهمزة النقل، ومثاله: أَحضرتُ زيداً المجلسَ فزيدٌ مفعولٌ أول، والمجلس مفعولٌ ثانٍ، هذا لو كان الفعل مبنيَّاً للمعلوم كما في المثال، أمَّا لو كان الفعل مبنياً للمجهول لقيل أُحضر زيدٌ المجلسَ فيكون زيدٌ نائب فاعل للفعل أُحضر ويكون المجلس مفعولاً به، وهكذا هو الشأن في قوله تعالى: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ فلكون الفعل ﴿أُحْضِرَتِ﴾ مبنيَّاً للمجهول لذلك قام المفعول به الأول -وهو الأنفس- مقام الفاعل- فالأنفس نائب فاعل لذلك تمَّ رفعه، والشُّح مفعولٌ به ثانٍ لذلك فهو منصوبٌ بالفتحة، ولو صيغ الفعل أحضر بصيغة المبني للمعلوم لكان كلٌّ من الأنفس والشح منصوباً بالفتح، فيقال: أحضرتُ الأنفسَ الشحَّ، فالأنفس مفعولٌ به أول والشح مفعولٌ به ثانٍ لكنَّ الفعل في الآية حيث صيغ على هيئة المبني للمجهول لذلك صارت كلمة الأنفس نائبَ فاعل فتمَّ رفعُها وبقيت كلمة الشُّح على النصب لكونها مفعولاً به.

ومعنى: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ هو أنَّ الأنفس أحضرناها الشحَّ أو قل أحضرنا لها الشُّح ، ومؤدَّى ذلك أنَّ الأنفس مجبولةٌ ومطبوعةٌ على الشحِّ والحرص فأينما أُحضرت الأنفس أُحضر معها الشُّح، فمفاد الآية -ظاهراً- أنَّ الله أحضر الشحَّ للأنفس أي أحضر الأنفسَ وركَّب فيها الشُّحَّ أو قل خلقَ الأنفسَ وطبَعها على الشُّحِّ.

فنفسُ مطبوعةٌ على الشحِّ والحرص كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾(2) وذلك هو ما يبعثُها على تحرِّي المصلحة وطلبِ الخير لها ودفع ما يضرُّها أو يسوئها، فمعنى هذه الفقرة من الآية قريبٌ من مفاد قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾(3).

وهذه الفقرة في الآية سِيقت لإفادة أنَّ كلاً من المرأة والرجل مجبولٌ على الذود عن مصالحه ومنافعه وحقوقِه، فالزوجةُ حريصة على أنْ يرعى زوجُها حقَّها في القسمة والنفقة والمعاشرة، والرجلُ حريصٌ على حقِّه في الطلاق إذا كره زوجته، وحقِّه في الزواج مِن أخرى إذا رغب في ذلك، فحرصُ كلٍّ منهما على ما يُحب ودفعِ ما يكره حاضرٌ في النفس، ولهذا ينبغي أن يتفهَّم كلٌّ منهما ما جُبل وطُبع عليه الآخر، فذلك هو ما يدفعهما إلى أنْ ينزل كلٌّ منهما للآخر عن بعض ما يُحب، فتنزل الزوجةُ -مثلا- لزوجها عن حقِّها في القسمة أو شيءٍ من النفقة لينزل الزوج مقابل ذلك لزوجته عن حقِّه في الطلاق، وهذا هو معنى الصلح الذي حثَّت عليه الآية وأفادت أنَّه خير، وأنَّه يتناغم مع ما تقتضيه طبيعة الحرص على جلب المصلحة للنفس ودفع المكروه عنها.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

29 / رجب المعظَّم / 1446ه

30 / يناير / 2025م

 


1- سورة النساء / 128

2- سورة الإسراء / 100.

3- سورة العاديات / 8.