مناقشة ادعاء نسخ آية: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت...)

 

" كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين"(1).

 

فقد ادعى جمع أنها منسوخة بآية المواريث، وادعى آخرون أنها منسوخة بما عن النبي - ص - من قوله: " لا وصية لوارث ".

والحق: أن الاية ليست منسوخة.

 

أما القول بنسخها بآية المواريث، فيرده أن الايات قد دلت على أن الميراث مترتب على عدم الوصية، وعدم الدين.

 

ومع ذلك فكيف يعقل كونها ناسخة لحكم الوصية؟ وقد قيل في وجه النسخ للاية: إن الميراث في أول الاسلام لم يكن ثابتا على الكيفية التي جعلت في الشريعة بعد ذلك، وإنما كان الارث يدفع جميعه للولد، وما يعطى الوالدان من المال فهو بطريق الوصية فنسخ ذلك بآية المواريث.

 

وهذا القول مدفوع:

أولا: بأن هذا غير ثابت، وإن كان مرويا في صحيح البخاري، لان النسخ لا يثبت بخبر الواحد إجماعا.

 

ثانيا: أنه موقوف على تأخر آية المواريث عن هذه الاية، وأنى للقائل بالنسخ إثبات ذلك؟ أما دعوى القطع بذلك من بعض الحنفية فعهدتها على مدعيها.

 

ثالثا: أن هذا لا يتم في الاقربين، فإنه لا إرث لهم مع الولد، فكيف يعقل أن تكون آية المواريث ناسخة لحكم الوصية للاقربين؟ وعلى كل فإن آية المواريث من حيث ترتبها على عدم الوصية تكون مؤكدة لتشريع الوصية ونفوذها، فلا معنى لكونها ناسخة لها.

 

وأما دعوى نسخ الاية بالرواية المتقدمة فهي أيضا باطلة من وجوه:

1 - ان الرواية لم تثبت صحتها، والبخاري ومسلم لم يرضياها، وقد تكلم في تفسير المنار على سندهما.

 

2 - أنها معارضة بالروايات المستفيضة عن أهل البيت عليهم السلام الدالة على جواز الوصية للوارث.

ففي صحيحه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الوصية للوارث فقال: تجوز.

قال: ثم تلا هذه الاية: " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين" البقرة/180.

وبمضمونها روايات اخرى.

 

3 - أن الرواية لو صحت، وسلمت عن المعارضة بشئ فهي لا تصلح لنسخ الاية، لانها لا تنافيها في المدلول.

غاية الامر أنها تكون مقيدة لاطلاق الاية فتختص الوصية بالوالدين إذا لم يستحقا الارث لمانع، وبمن لا يرث من الاقربين وإذا فرض وجود المنافاة بينها وبين الاية فقد تقدم: أن خبر الواحد لا يصلح أن يكون ناسخا للقرآن بإجماع المسلمين، فالاية محكمة وليست منسوخة.

 

ثم ان الكتابة عبارة عن القضاء بشئ، ومنه قوله تعالى: " كتب على نفسه الرحمة"(2).

والعقل يحكم بوجوب امتثال حكم المولى وقضائه ما لم تثبت فيه رخصة من قبل المولى.

 

ومعنى هذا أن الوصية للوالدين والاقربين واجبة بمقتضى الاية، ولكن السيرة المقطوع بثبوتها بين المسلمين، والروايات المأثورة عن الائمة من أهل البيت عليهم السلام والاجماع المتحقق من الفقهاء في كل عصر قد أثبت لنا الرخصة فيكون الثابت من الاية بعد هذه الرخصة هو استحباب الوصية المذكورة، بل تأكد استحبابها على الانسان، ويكو المراد من الكتابة فيها هو: القضاء بمعنى التشريع لا بمعنى الالزام.

 

المصدر:

البيان في تفسير القرآن، لزعيم الحوزة العلمية: سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي.


1- البقرة/180

2- الأنعام/12