سبب نزول الآية رقم (125) من سورة النحل

 

* قوله تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة﴾ الآية.

 

أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا عبد الله ابن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا الحكم بن موسى قال: حدثنا إسماعيل ابن عباس، عن عبد الملك بن أبي عيينة، عن الحكم بن عيينة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لما انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى منظرا ساءه، ورأى حمزة قد شق بطنه واصطلم أنفه وجدعت أذناه، فقال: لولا أن يحزن النساء أو يكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله تعالى من بطون السباع والطير، لاقتلن مكانه سبعين رجلا منهم، ثم دعا ببردة فغطى بها وجهه، فخرجت رجلاه، فجعل على رجليه شيئا من الاذخر، ثم قدمه وكبر عليه عشرا، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة، وكان القتل سبعين فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية - ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة إلى قوله واصبر وما صبرك إلا بالله - فصبر ولم يمثل بأحد.

 

أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد ابن عيسى الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا يعقوب الوليد الكندي قال: حدثنا صالح المرى قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبى عثمان النهدي، عن أبى هريرة قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة فرآه صريعا، فلم ير شيئا كان أوجع لقلبه منه، وقال: والله لاقتلن بك سبعين منهم، فنزلت - وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين - أخبرنا أبو حسان المزكى قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا قيس عن أبى ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل حمزة ومثل به: لئن ظفرت بقريش لامثلن بسبعين رجلا منهم، فأنزل الله عزوجل - وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نصبر يا رب.

 

قال المفسرون: إن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد من تبقير البطون وقطع المذاكير والمثلة السيئة، قالوا حين رأوا ذلك: لئن ظفرنا الله سبحانه وتعالى عليهم لنزيدن على صنيعهم ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ولنفعلن ولنفعلن، ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة وقد جدعوا أنفه وقطعوا مذاكيره وبقروا بطنه، وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ثم استرطتها لتأكلها، فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنها لو أكلته لم تدخل النار أبدا، حمزة أكرم على الله من أن يدخل شيئا من جسده النار، فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمزة نظر إلى شئ لم ينظر إلى شئ كان أوجع لقلبه منه، فقال رحمة الله عليك، إنك ما علمت كنت، وصولا للرحم، فعالا للخيرات، ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى، أما والله لئن أظفرني الله تعالى بهم لامثلن بسبعين منهم مكانك، فأنزل الله تعالى - وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به - الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلى نصبر، وأمسك عما أراد، وكفر عن يمينه.

 

قال الشيخ الامام الاوحد أبو الحسن: ونحتاج أن نذكر ههنا مقتل حمزة.

 

أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكى قال: أخبرنا محمد بن مكى قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الجعفي قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله، حدثنا حجين ابن المثنى قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة وأخبرنا محمد بن إبراهيم ابن محمد بن يحيى قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثنا سعيد بن يحيى الاموي قال: حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن الفضل ابن عياش بن ربيعة، عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار، فمررنا بحمص، فلما قدمناها قال لي عبيدالله ابن عدي: هل لك أن نأتي وحشيا نسأله كيف كان قتله حمزة ؟ قلت له: إن شئت، فقال لنا رجل: أما إنكما ستجدانه بفناء داره وهو رجل قد غلب عليه الخمر، فإن تجداه صاحيا تجدا رجلا عربيا عنده بعض ما تريدان، فلما انتهينا إليه سلمنا عليه، فرفع رأسه، قلنا: جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة رحمة الله عليه، فقال: أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك، كنت غلاما لجبير بن مطعم ابن عدي بن نوفل، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة عم محمد عليه الصلاة والسلام بعمى طعيمة فأنت عتيق، قال: فخرجت وكنت حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطئ بها شيئا، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة رحمة الله عليه حتى رأيته في عرض الجيش مثل الجمل الاورق يهد الناس بسيفه هدا ما يقوم له شئ، فوالله إني لا تهيأ له وأستتر منه بحجر أو شجر ليدنو مني إذ تقدمنى إليه سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة رحمة الله عليه قال: هايا ابن مقطعة البظور، قال: ثم ضربه فو الله ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي حتى إذ رضيت منها دفعتها إليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه، فذهب لينافحني فغلب، فتركته حتى مات رضى الله عنه، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى الناس، فقعدت في العسكر ولم يكن لي بغيره حاجة إنما قتلته لاعتق، فلما قدمت مكة عتقت فأقمت بها حتى نشأ فيها الاسلام، ثم رجعت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا وقيل لي: إن محمدا عليه الصلاة والسلام لا يهيج الرسل، قال: فخرجت معهم حتى قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال: أنت وحشي ؟ قلت: نعم ؟ قال: أنت قتلت حمزة ؟ قلت قد كان من الامر ما قد بلغك، قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني ؟ قال فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج الناس إلى مسيلمة الكذاب قلت: لاخرجن إلى مسيلمة الكذاب لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، فخرجت مع الناس فكان من أمره ماكان.