اعتماد قراءة حفص وهو ضعيف؟!


المسألة:

اطلعت على روايات عديدة تضعف حفص صاحب الرواية التي نقرأ بها القرآن الكريم، فكيف نأخذ القرآن من متروك الحديث؟

 

وإن قيل ضعفه في الحديث وليس في القراءة، قلت سبحان الله، كيف من لا نأمن أخذ الحديث عنه نأمن أخذ القراءة منه؟

 

فأرجو توضيح هذا الأمر.


الجواب:

لم يأخذ المسلمون القرآن عن طريق القرَّاء السبعة أو العشرة مجتمعين فضلاً عن أخذهم إياه عن طريق حفصٍ وحده، فالقرآن الكريم قد تمَّ التلقي له بواسطة التواتر القطعي بل إنَّ طريق المسلمين جيلاً بعد جيل إلى أصل القرآن كان في أعلى درجات التواتر، غايته أنَّ الاختلاف قد وقع في كيفية قراءته نظراً لإختلاف لهجات قبائل العرب ولأنَّ القرآن حينما كُتب في الصدر الاول في عهد الرسول (ص) وعهد الصحابة لم يكن منقَّطعاً ولم تُضبط حركاتُه الصرفية والإعرابية ولذلك وقع الاختلاف في قراءة بعض آيات القرآن الكريم فكان كلُّ من يتبنى قراءةً يحتج على صحة قراءته إما بدعوى استنادها إلى صحابيًّ معروف كعلي بن أبي طالب (ع) أو ابن مسعود أو ابن عباس أو أُبي بن كعب (رحمهم الله) أو يحتج على صحة قراءته بدعوى مطابقتها للضوابط اللغوية المتبناة عنده أو في بلده كأن يقرأ على مذهب علماء النحو في الكوفة أو البصرة وهنا تجدر الإشارة إلى أمور:

 

الأمر الاول: إنَّ الاختلاف بين القرَّاء ليس في عموم آيات القرآن الكريم بل ليس في أكثرها وإنما هو اختلاف محدود جداً بالمقارنة إلى مجموع آيات القرآن الكريم. على أنَّ الكثير من القليل الذي وقع الاختلاف في كيفية قراءته لايقتضي تغيُّر المعنى.

 

الأمر الثاني: إنَّ انتساب كلَّ قراءة إلى صاحبها أمر مشهور متعارف إذا لم يكن متواتراً حيث إنَّ كلَّ َقارئ من هؤلاء القراء كان متصدياً لتعليم قراءته إلى عشرات بل إلى مئات الطلبة ثم إنَّ هؤلاء الطلبة يتصدى الكثير منهم إلى تعليم قراءة شيخهم إلى مَن يلونهم من الطلبة وهكذا، فإستناد كلَّ قراءة إلى صاحبها يكون مستفيضاً بل هو متواتر في كثير من الأحيان، ولذلك لا يكون التثّبُت من استناد القراءة إلى صاحبها مفتقراً إلى إحراز العدالة أو الوثاقة للراوي.

 

على إنَّ عهد القراء السبعة والعشرة وغيرهم كان عهد كتابةٍ وضبط فكانت المصاحف مضبوطة وفق القراءات المختلفة لذلك يكون التحريف والتغيير في الضبط مستبعداً نظراً لتكثُّر النسخ وتداولها.

 

الأمر الثالث: إنَّ مشهور علماء السَّنة يذهبون إلى تواتر القراءات السبع بمعنى أنَّ جميع القراءات السبع قد تم تلقَّيها من قبل الرسول الكريم (ص) بالتواتر وإنَّ كلَّ قراءة من القراءات السبع وإن كانت كُّل واحدة منتسبة إلى أحد القراء إلا إنَّه مجرَّد واحدٍ من رواتها وليس هو وحدة الذي يرويها.

 

وإذا تمَّ ذلك فإنَّ عدم وثاقة بعض الواقعين في طريق الرواية للقراءة لا يضرُّ بصحة استناد الرواية للرسول الكريم (ص) وذلك نظراً لوصولها بنحو التواتر، فهي ليست من قبيل أخبار الآحاد المفتقرة إلى التثبُّت من وثاقة الواقعين في سلسلة السند.

 

فالإشكال المذكور منتفٍ بناءً على تمامية هذه الدعوى إلا أنَّ الصحيح هو عدم تماميتها كما هو مذهب مشهور الفقهاء الإمامية وجمع معتدٍ به من علماء السنة.

 

فالقراءات السبع أو العشر وإن كان استنادها إلى أصحابها مشهوراً إن لم يكن متواتراً إلا انَّ دعوى تواتر أخذها جميعاً عن الرسول (ص) دون إثباته خرط القتاد، فهي لا تعدوا الأخبار الآحاد على أنَّها ليست بتمامها متلقَّاة بالرواية، ففي كلَّ قراءة من القراءات ما هو رواية وفيها ما هو اجتهاد من القارئ أو من شيخه وللتثبت من ذلك يمكنك مراجعة ما أفاده السيد الخوئي رحمه الله في كتابة البيان.

 

وعليه لا نعوَّل في قراءتنا على رواية حفص عن عاصم لخصوصيةٍ في حفص أو عاصم، فالمصحَّح عندنا في القراءة هو اشتمالها على ضوابط ثلاثة:

الضابط الأول: أن تكون القراءة متداولة بين المسلمين.

الضابط الثاني: أن تكون موافقة لمقتضيات القواعد العربية.

الضابط الثالث: أن لا تكون القراءة شاذة وإنْ كانت موافقة لمقتضيات اللغة من بعض الوجوه.

 

فإذا اشتملت أيُّ قراءة من القراءات السبع أو العشر أو غيرها على الضوابط الثلاثة صحَّ القراءة بها في الصلاة وغيرها، ومستندنا في ذلك السيرة المتشرعية القطعية التي كان عليها أصحاب الأئمة، فرغم أنَّ اختلاف القراءات كان متعارفاً في عصر الأئمة (ع) وكان الناس بما فيهم أصحاب الأئمة وسائر الشيعة يقرأون بما يقرأه سائر المسلمين ِإلا أنه لم يعهد عليهم (ع) الروع عن ذلك.

 

فرغم أنَّ اختلاف القراءات كان متعارفاً منذ الصدر الأول وفي عصر الأئمة (ع) وكان الناس بما فيهم أصحاب الأئمة وسائر الشيعة يقرأون بالقراءات المتداولة، فرغم أن الأمر كان كذلك فإنَّه لم يُعهد عن الأئمة (ع) الردع عن قراءةٍ من القراءات أو الأمر بالالتزام بقراءةٍ مخصوصة، ولو كان قد صدر ردع عن ذلك أو أمر بقراءةٍ مخصوصة لوصل من الينا ذلك بالتواتر نظراً لتوافر الدواعي المقتضية للوصول وانتفاء الموانع في حين أنَّه لم يصل إلينا ردع ولو بطريق الآحاد مما يكشف كشفاً قطعياً عن إمضاء أهل البيت (ع) لما عليه المسلمون.

 

هذا مضافاً إلى ورود مما يُؤيَّد الإمضاء لهذه السيرة المتشرعية.

 

فقد روي عن أبي عبدالله (ع) أنَّه قال: "اقرأوا كما عُلمتم(1)"، وورد أن رجلاً قرأ عند أبي عبدالله الصادق (ع) على خلاف ما يقرأه الناس فقال (ع) "كفَّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس(2)".

 

نعم ورد في بعض الروايات النهي عن قراءةٍ مخصوصة لآية معينة أو التصحيح لقراءةِ آية معينة وما عدا ذلك فالقراءة تكون على أيَّ كيفية تعارف بين الناس القراءة بها.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

 

1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج6 / ص163.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج6 / ص163.