قضى:

 

القضاء فصل الامر قولا كان ذلك أو فعلا وكل واحد منهما على وجهين: إلهي وبشرى.

 

فمن القول الإلهي قوله: ﴿وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه﴾ أي أمر بذلك وقال: ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب﴾ فهذا قضاء بالأعلام والفصل في الحكم أي أعلمناهم وأوحينا إليهم وحيا جزما، وعلى هذا ﴿وقضينا إليه ذلك الامر أن دابر هؤلاء مقطوع﴾ ومن الفعل الإلهي قوله ﴿والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ﴾ وقوله: ﴿فقضاهن سبع سماوات في يومين﴾ إشارة إلى إيجاده الابداعي والفراغ منه نحو ﴿بديع السماوات والأرض﴾ وقوله ﴿ولولا أجل مسمى لقضى بينهم﴾ أي لفصل، ومن القول البشرى نحو قضى الحاكم بكذا فإن حكم الحاكم يكون بالقول، ومن الفعل البشرى ﴿فإذا قضيتم مناسككم - ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم﴾، وقال تعالى: ﴿قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على﴾ وقال ﴿فلما قضى زيد منها وطرا﴾ وقال ﴿ثم اقضوا إلى ولا تنظرون﴾ أي افرغوا من أمركم، وقوله: ﴿فاقض ما أنت قاض - إنما تقضى هذه الحياة الدنيا﴾، وقول الشاعر: * قضيت أمورا ثم غادرت بعدها * يحتمل القضاء بالقول والفعل جميعا، ويعبر عن الموت بالقضاء فيقال فلان قضى نحبه كأنه فصل أمره المختص به من دنياه، وقوله: ﴿فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر﴾ قيل قضى نذره لأنه كان قد ألزم نفسه أن لا ينكل عن العدى أو يقتل، وقيل معناه منهم من مات وقال ﴿ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده﴾ قيل عنى بالأول أجل الحياة وبالثاني أجل البعث، وقال ﴿يا ليتها كانت القاضية - ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك﴾ وذلك كناية عن الموت، وقال: ﴿فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض﴾ وقضى الدين فصل الامر فيه برده، والاقتضاء المطالبة بقضائه، ومنه قولهم هذا يقضى كذا وقوله: ﴿لقضى إليهم أجلهم﴾ أي فرغ من أجلهم ومدتهم المضروبة للحياة، والقضاء من الله تعالى أخص من القدر لأنه الفصل بين التقدير، فالقدر هو التقدير والقضاء هو الفصل والقطع، وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المعد للكيل والقضاء بمنزلة الكيل، وهذا كما قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنهما لما أراد الفرار من الطاعون بالشام: أتفر من القضاء ؟ قال أفر من قضاء الله إلى قدر الله، تنبيها أن القدر ما لم يكن قضاء فمرجو أن يدفعه الله فإذا قضى فلا مدفع له.

 

ويشهد لذلك قوله ﴿وكان أمرا مقضيا﴾ وقوله ﴿كان على ربك حتما مقضيا - وقضى الامر﴾ أي فصل تنبيها أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه.

 

وقوله ﴿إذا قضى أمرا﴾ وكل قول مقطوع به من قولك هو كذا أوليس بكذا يقال له قضية ومن هذا يقال قضية صادقة وقضية كاذبة وإياها عنى من قال التجربة خطر والقضاء عسر، أي الحكم بالشئ أنه كذا وليس بكذا أمر صعب، وقال عليه الصلاة والسلام " على أقضاكم ".