قدر:

 

القدرة إذا وصف بها الانسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فعل شئ ما، وإذا وصف الله تعالى بها فهي نفى العجز عنه ومحال أن يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنى وإن أطلق عليه لفظا بل حقه أن يقال قادر على كذا، ومتى قيل هو قادر فعلى سبيل معنى التقييد ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من وجه إلا ويصح أن يوصف بالعجز من وجه، والله تعالى هو الذي ينتفى عنه العجز من كل وجه.

 

والقدير هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه ولذلك لا يصح أن يوصف به إلا الله تعالى، قال: ﴿إنه على ما يشاء قدير﴾ والمقتدر يقاربه نحو ﴿عند مليك مقتدر﴾ لكن قد يوصف به البشر وإذا استعمل في الله تعالى فمعناه معنى القدير، وإذا استعمل في البشر فمعناه المتكلف والمكتسب للقدرة، يقال قدرت على كذا قدرة، قال: ﴿لا يقدرون على شئ مما كسبوا﴾ والقدر والتقدير تبيين كمية الشئ يقال قدرته وقدرته، وقدره بالتشديد أعطاه القدرة يقال قدرني الله على كذا وقواني عليه فتقدير الله الأشياء على وجهين، أحدهما: بإعطاء القدرة، والثاني: بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة، وذلك أن فعل الله تعالى ضربان: ضرب أوجده بالفعل، ومعنى إيجاده بالفعل أن أبدعه كاملا دفعة لا تعتريه الزيادة والنقصان إلى أن يشاء أن يفنيه أو يبدله كالسماوات وما فيها.

 

ومنها ما جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزاءه بالقوة وقدره على وجه لا يتأتى منه غير ما قدره فيه كتقديره في النواة أن ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون، وتقدير منى الانسان أن يكون منه الانسان دون سائر الحيوانات.

 

فتقدير الله على وجهين، أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا أو لا يكون كذا، إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الامكان.

 

وعلى ذلك قوله ﴿قد جعل الله لكل شئ قدرا﴾.

 

والثاني: بإعطاء القدرة عليه.

 

وقوله ﴿فقدرنا فنعم القادرون﴾ تنبيها أن كل ما يحكم به فهو محمود في حكمه أو يكون من قوله ﴿قد جعل الله لكل شئ قدرا﴾ وقرئ ﴿فقدرنا﴾ بالتشديد وذلك منه أو من إعطاء القدرة، وقوله ﴿نحن قدرنا بينكم الموت﴾ فإنه تنبيه أن ذلك حكمة من حيث إنه هو المقدر وتنبيه أن ذلك ليس كما زعم المجوس أن الله يخلق وإبليس يقتل، وقوله ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾ إلى آخرها أي ليلة قيضها لأمور مخصوصة.

 

وقوله: ﴿إنا كل شئ خلقناه بقدر﴾ وقوله: ﴿والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه﴾ إشارة إلى ما أجرى من تكوير الليل على النهار وتكوير النهار على الليل، وأن ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حق العبادة منهما في وقت معلوم، وقوله ﴿من نطفة خلقه فقدره﴾ فإشارة إلى ما أوجده فيه بالقوة فيظهر حالا فحالا إلى الوجود بالصورة، وقوله ﴿وكان أمر الله قدرا مقدورا﴾ فقدر إشارة إلى ما سبق به القضاء والكتابة في اللوح المحفوظ.

 

والمشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام: " فرغ ربكم من الخلق والأجل والرزق "، والمقدور إشارة إلى ما يحدث عنه حالا فحالا مما قدر وهو المشار إليه بقوله ﴿كل يوم هو في شأن﴾ وعلى ذلك قوله: ﴿وما ننزله إلا بقدر معلوم﴾ قال أبو الحسن: خذه بقدر كذا وبقدر كذا، وفلان يخاصم بقدر وقدر، وقوله: ﴿على الموسع قدره وعلى المقتر قدره﴾ أي ما يليق بحاله مقدرا عليه، وقوله ﴿والذي قدر فهدى﴾ أي أعطى كل شئ ما فيه مصلحته وهداه لما فيه خلاصه إما بالتسخير وإما بالتعليم كما قال ﴿أعطى كل شئ خلقه ثم هدى﴾ والتقدير من الانسان على وجهين أحدهما: التفكر في الامر بحسب نظر العقل وبناء الامر عليه وذلك محمود، والثاني أن يكون بحسب التمني والشهوة وذلك مذموم كقوله ﴿فكر وقدر فقتل كيف قدر﴾ وتستعار القدرة والمقدور للحال والسعة في المال، والقدر وقت الشئ المقدر له والمكان المقدر له، قال: ﴿إلى قدر معلوم﴾ وقال: ﴿فسالت أودية

 

بقدرها﴾ أي بقدر المكان المقدر لان يسعها، وقرئ ﴿بقدرها﴾ أي تقديرها.

 

وقوله: ﴿وغدوا على حرد قادرين﴾ قاصدين أي معينين لوقت قدروه، وكذلك قوله: ﴿فالتقى الماء على أمر قد قدر﴾ وقدرت عليه الشئ ضيقته كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب، قال: ﴿ومن قدر عليه رزقه﴾ أي ضيق عليه وقال ﴿يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر﴾ وقال: ﴿فظن أن لن نقدر عليه﴾ أي لن نضيق عليه وقرئ ﴿لن نقدر عليه﴾، ومن هذا المعنى اشتق الأقدر أي القصير العنق وفرس أقدر يضع حافر رجله موضع حافر يده وقوله ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ أي ما عرفوا كنهه تنبيها أنه كيف يمكنهم أن يدركوا كنهه وهذا وصفه وهو قوله ﴿والأرض جميعا قبضته يوم القيامة﴾، وقوله: ﴿أن اعمل سابغات وقدر في السرد﴾ أي أحكمه، وقوله: ﴿فإنا عليهم مقتدرون﴾ ومقدار الشئ للشئ المقدر له وبه وقتا كان أو زمانا أو غيرهما، قال ﴿في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة﴾ وقوله ﴿لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله﴾ فالكلام فيه مختص بالتأويل.

 

والقدر اسم لما يطبخ فيه اللحم، قال تعالى: ﴿وقدور راسيات﴾ وقدرت اللحم طبخته في القدر، والقدير المطبوخ فيها، والقدار الذي ينحر ويقدر، قال الشاعر: * ضرب القدار نقيعة القدام * قدس: التقديس التطهير الإلهي المذكور في قوله ﴿ويطهركم تطهيرا﴾ دون التطهير الذي هو إزالة النجاسة المحسوسة، وقوله: ﴿ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾ أي نطهر الأشياء ارتساما لك وقيل نقدسك أي نصفك بالتقديس.

 

وقوله: ﴿قل نزله روح القدس﴾ يعنى به جبريل من حيث إنه ينزل بالقدس من الله أي بما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي، والبيت المقدس هو المطهر من النجاسة أي الشرك، وكذلك الأرض المقدسة، قال تعالى: ﴿يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم﴾، وحظيرة القدس قيل الجنة وقيل الشريعة وكلاهما صحيح فالشريعة حظيرة منها يستفاد القدس أي الطهارة.