عدل

 

- العدالة والمعادلة: لفظ يقتضي معنى المساواة، ويستعمل باعتبار المضايفة، والعدل والعدل يتقاربان، لكن العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، وعلى ذلك قوله: ﴿ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ﴾ المائدة/95، والعدل والعديل فيما يدرك بالحاسة، كاموزونات والمعدودات والمكيلات، فالعدل هو التقسيط على سواء، وعلى هذا روي: (بالعدل قامت السموات والأرض) (أخرج أبو داود عن ابن عباس قال: افتتح رسول الله خيبر، واشترط أن له الأرض وكل صفراء وبيضاء، قال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض منكم فأعطناها على أن لكم نصف الثمرة، ولنا نصف، فزعم أنه أعطاهم على ذلك، فلما كان حين يصرم النخل بعث إليهم عبد الله بن رواحة، فحزر عليهم النخل - وهو الذي يسميه أهل المدينة الخرص - فقال: في ذه كذا وكذا، قالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة، فقال: فأنا، ألي حزر النخل وأعطيكم نصف الذي قلت. قالوا: هذا الحق، وبه تقوم السماء والأرض، قد رضينا أن نأخذه بالذي قلت. سنن أبي داود رقم (3410) باب في المخابرة) تنبيها أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدا على الآخر، أو ناقصا عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظما. والعدل ضربان: مطلق: يقتضي العقل حسنه، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخا، ولا يوصف بالاعتداء بوجه، نحو: الإحسان إلى من أحسن إليك، وكف الأذية عمن كف أذاه عنك.

 

وعدل يعرف كونه عدلا بالشرع، ويمكن أن يكون منسوخا في بعض الأزمنة، كالقصاص وأروش الجنايات، وأصل مال المرتد. ولذلك قال: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ ﴾ البقرة/194، وقال: ﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ الشورى/40، فسمي اعتداء وسيئة، وهذا النحو هو المعني بقوله: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾ النحل/90، فإن العدل هو المساواة في المكافأة إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه، والشر بأقل منه، ورجل عدل: عادل، ورجال عدل، يقال في الواحد والجمع، قال الشاعر:  فهم رضا وهم عدل (البيت: متى يشتجر قوم يقل سرواتهم * هم بيننا فهم رضا وهم عدل، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 61؛ والمجمل 3/651)

 

وأصله مصدر كقوله: ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾ الطلاق/2، أي: عدالة. قال تعالى: ﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ الشورى/15، وقوله: ﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء ﴾ النساء/129، فإشارة إلى ما عليه جبلة الناس من الميل، فالإنسان لا يقدر على أن يسوي بينهن في المحبة، وقوله: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً ﴾ النساء/3، فإشارة إلى العدل الذي هو القسم والنفقة، وقال: ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ المائدة/8، وقوله: ﴿ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ﴾ المائدة/95، أي: ما يعادل من الصيام الطعام، فيقال للغذاء: عدل إذا اعتبر فيه معنى المساواة. وقولهم: (لا يقبل منه صرف ولا عدل) (شطر حديث تقدم في مادة (صرف)، وهو أيضا عند البخاري: (المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل) أخرجه في الجهاد، انظر فتح الباري 6/200؛ وأخرجه مسلم أيضا في الحج برقم 1370) فالعدل قيل: هو كناية عن الفريضة، وحقيقته ما تقدم، والصرف: النافلة، وهو الزيادة على ذلك فهما كاعدل والإحسان. ومعنى أنه لا يقبل منه أنه لا يكون له خير يقبل منه، وقوله: ﴿ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ﴾ الأنعام/1، أي: يجعلون له عديلا فصار كقوله: ﴿ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ النحل/100، وقيل: يعدلون بأفعاله عنه وينسبونها إلى غيره، وقيل يعدلون بعبادتهم عنه تعالى، وقوله: ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ النمل/60، يصح أن يكون على هذا، كأنه قال: يعدلون به، ويصح أن يكون من قولهم: عدل عن الحق: إذا جار عدولا، وأيام معتدلات: طيبات لاعتدالها، وعادل بين الأمرين: إذا نظر أيهما أرجع، وعادل الأمر: ارتبك فيه، فلا يميل برأيه إلى أحد طرفيه، وقولهم: (وضع على يدي عدل) فمثل مشهور (وهو مثل يضرب لكل شيء قد يئس منه. والعدل هو العدل بن جزء، كأن ولي شرط تبع، فكان تبع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه، فقيل: وضع على يدي عدل. ثم قيل ذلك لكل شيء يئس منه. انظر: المجمل 3/652؛ ومجمع الأمثال 2/8).