سورة الاخلاص
مكية في قول ابن عباس، وقال الضحاك مدنية، وهي أربع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾
القراءة:
قرأ أبو عمرو - في رواية هارون عنه - (أحد الله الصمد) بغير تنوين في الوصل. وقرأ في رواية نصر عن أبيه وأحمد بن موسى عنه بالتنوين، وجه ترك التنوين أنه ينوى به الوقف، لأنه رأس آية مع أنه قد يحذف التنوين لالتقاء الساكنين، والوجه تحريكه، قال الشاعر:
فألفتيه غير مستعتب * ولا ذاكر الله إلا قليلا (1)
وقرأ (كفؤا) بسكون الفاء - مهموزا - حمزة ونافع على خلاف عن نافع. الباقون بضم الفاء مهموزا. وإنما قال في أوائل هذه السور (قل) وهي أو امر من الله تعالى، لان المعنى قال لي جبرائيل (قل هو الله أحد) فحكى النبي صلى الله عليه وآله ما قيل له. وقيل لسورة الاخلاص وقل يا أيها الكافرون (المقشقشتان) ومعناهما المبرئتان من الكفر والنفاق، كما يقشقش الهناء الجرب. وهذا امر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ان يقول لجميع المكلفين (هو الله) الذي نحق له العبادة (أحد) ومعناه واحد، فقوله (هو) كناية عن اسم الرب، لأنهم قالوا ما ربك؟قال هو الله أحد. وقال الكسائي (هو) عماد، وقوله (الله) ابتداء، وخبره (أحد) وانكر الفراء أن يكون العماد مستأنفا، واصل (أحد) وحد فقلبت الواو همزة، كما قيل: وناه وأناه، لان الواو مكروهة أولا، وقد جاء وحد على الأصل قال الشاعر:
كأن رجلي وقد زال النهار بنا * بذي الجليل على مستأنس وحد (2)
وحقيقة الوحد شئ لا ينقسم في نفسه أو معنى صفته، فإذا أطلق أحد من غير تقدم موصوف، فهو واحد نفسه، فإذا جرى على، موصوف، فهو أحد في معنى صفته، فإذا قيل: الجزء الذي لا يتجزأ واحد، فهو واحد في معنى صفته، وإذا وصف تعالى بأنه أحد، فمعناه أنه المختص بصفات لا يشاركه فيها غيره: من كونه قديما وقادرا لنفسه وعالما وحيا وموجودا كذلك، وأنه تحق له العبادة لا تجوز لاحد سواه. ولا يجوز أن يكون (أحد) هذه هي التي تقع في النفي، لأنها أعم العام على الجملة أحد، والتفصيل، فلا يصلح ذلك في الايجاب، كقولك ما في الدار أحد أي ما فيها واحد فقط ولا أكثر، ويستحيل هذا في الايجاب، وفى قوله (الله أحد) دليل فساد مذهب المجسمة، لان الجسم ليس ب? (أحد إذ هو اجزاء كثيرة، وقد دل الله بهذا القول على أنه أحد، فصح انه ليس بجسم. وقوله (الله الصمد) معناه الذي تحق له العبادة هو الموصوف بأنه (الصمد) وقيل: في معناه قولان:
أحدهما: قال ابن عباس وشقيق وأبو وائل: إنه السيد المعظم، كما قال الأسدي:
الا بكر الناعي بخيري بني أسد * بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد (3)
وقال الزبر قان: ولا رهينة إلا السيد الصمد.
الثاني: ان معناه الذي يصمد إليه في الحوائج ليس فوقه أحد، يقال: صمدت إليه أصمد إذا قصدت إليه ألا أن في الصفة معنى التعظيم كيف تصرفت الحال. ومن قال: الصمد بمعنى المصمت، فقد جهل الله، لان المصمت هو المتضاغط الاجزاء وهو الذي لا جوف له وهذا تشبيه وكفر بالله تعالى. وقوله (لم يلد) نفي منه تعالى لكونه والد إله ولد. وقوله (ولم يولد) نفي لكونه مولود إله والد، لان ذلك من صفات الأجسام وفيه رد على من قال: إن عزيز والمسيح أبناء الله تعالى، وإن الملائكة بنات الله، وقوله (ولم يكن له كفوا أحد) نفي من الله تعالى أن يكون له مثل أو شبيه أو نظير، والكفور والكفاء والكفي واحد، وهو المثل والنظير، قال النابغة:
لا تقذفني بركن لا كفاء له * ولو تأثفك الأعداء بالرفد
و (أحد) مرفوع لأنه اسم (كان) و (كفوا) نصب، لأنه نعت نكرة متقدمة، كما تقول: ، عندي ظريفا غلام، تريد عندي غلام ظريف، فلما قدمت النعت على المنعوت نصبته على الحال - في قول البصريين - وعلى الظرف في قول الكوفيين - والتقدير في الآية ولم يكن له كفوا، وأخص منه ولم يكن أحد كفوا له، وإنما قدم الظرف الملغى مع أن تأخير الملغى أحسن في الكلام لأنه أفضل بذكر الانبه الأعرف، كما يتقدم الظرف الذي هو خبر وموضعه التأخير لهذه العلة في مثل قولهم: لزيد مال وله عبد. ولا حي من الاحياء إلا وله مثل إلا الله تعالى، فلذلك قال (ولم يكن له كفوا أحد) وروي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقف عند آخر كل آية من هذه السورة، وكذلك كان يقرأ ابن مجاهد في الصلاة ابتداء.
1- مر 2 / 76 و 3 / 215 و 5 / 239، 393.
2- اللسان (وحد، انس).
3- مجاز القرآن الشاهد 950: 2 / 316.