الآيات 1-14 من سورة الفجر

مكية في قول ابن عباس وقال الضحاك هي مدنية وهي ثلاثون آية في الكوفي وتسع وعشرون في البصري واثنتان وثلاثون في المدنيين

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ، هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ، وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ، وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي وخلف (والوتر) بكسر الواو. الباقون بفتحها وهما لغتان. قال أبو عبيدة: الشفع الزكا والوتر الخسا. وقرأ نافع وأبو عمرو (يسري) بياء في الوصل دون الوقف. وقرأ ابن كثير بياء في الوصل والوقف، وكذلك (بالوادي) الباقون بغير ياء في وصل ولا وقف. من أثبت الياء، فلأنها الأصل ومن حذفها، فلأنها رأس آية والفواصل تحذف منها الياءات. هذا قسم من الله تعالى بالفجر وليال عشر، وقسم منه بالشفع والوتر والليل إذا يسري، وجواب القسم قوله (إن ربك لبالمرصاد) و (الفجر) شق عمود الصبح فجره الله لعباده يفجره فجرا إذا أظهره في أفق المشرق ومبشرا بادبار الليل المظلم وإقبال النهار المضئ، والفجر فجران:

أحدهما: المستطيل، وهو الذي يصعد طولا كذنب السرحان، ولا حكم له في الشرع.

والاخر: هو المستطير، وهو الذي ينشر في أفق السماء، وهو الذي يحرم عنده الأكل والشرب لمن أراد الصوم في شهر رمضان، وهو ابتداء اليوم. وقال عكرمة والحسن: الفجر فجر الصبح. وقوله (وليال عشر) قال ابن عباس والحسن وعبد الله بن الزبير ومجاهد ومسروق والضحاك وابن زيد: وهي العشر الأول من ذي الحجة شرفها الله تعالى ليسارع الناس فيها إلى عمل الخير واتقاء الشر على طاعة الله في تعظيم ما عظم وتصغير ما صغره، وينالون بحسن الطاعة الجزاء بالجنة. وقال قوم: هي العشر من أول محرم، والأول هو المعتمد. وقوله (والشفع والوتر) قال ابن عباس وكثير من أهل العلم: الشفع الخلق بما له من الشكل والمثل، والوتر الخالق الفرد الذي لا مثل له، وقال الحسن: الشفع الزوج، والوتر الفرد من العدد، كأنه تنبيه على ما في العدد من العبرة بما يضبط لأنه من المقادير التي يقع بها التعديل. وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك: الشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفه، ووجه ذلك أن يوم النحر مشفع بيوم نحر بعده، وينفرد يوم عرفه بالموقف وفي رواية أخرى عن ابن عباس ومجاهد ومسروق وأبي صالح: ، أن الشفع الخلق، والوتر الله تعالى. وقال ابن زيد: الشفع والوتر كله من الخلق. فقال عمران بن حصين: الصلاة فيها شفع وفيها وتر، وقال ابن الزبير: الشفع: اليومان الأولان من يوم النحر والوتر اليوم الثالث. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: الوتر آدم والشفع زوجته. قال أبو عبيدة: يقال أوترت ووترت. وقوله (والليل إذا يسري) معناه يسير ظلاما حتى ينقضي بالضياء المبتدئ ففي تسييره على المقادير المرتبة، ومجيئه بالضياء عند تقضيه في الفصول أدل دليل على أن فاعله يختص بالعز والاقتدار الذي يجل عن الأشباه والأمثال. وقوله (هل في ذلك قسم لذي حجر) أي لذي عقل - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن - وقيل العقل الحجر، لأنه يعقل عن المقبحات ويزجر عن فعلها، يقال: حجر يحجر حجرا إذا منع من الشئ بالتضييق، ومنه حجر الرجل الذي يحجر على ما فيه، ومنه الحجر لامتناعه بصلابته. وقوله (ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد) خطاب من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله، وتنبيه للكفار على ما فعل بالأمم الماضية لما كفروا بوحدانية الله، واعلام لهم كيفية إهلاكهم. وقيل: عاد الأولى عاد ابن آرم. وقيل: إن (إرم) بلد منه الإسكندرية - في قول القرطي - وقال المعري: هو دمشق. وقال مجاهد: هم أمة من الأمم. وقال قتادة: هم قبيلة من عاد. وقوله (ذات العماد) قال ابن عباس ومجاهد: ذات الطول من قولهم: رجل معمد إذا كان طويلا. وقيل ذات عمد للابيات ينتقلون من مكان إلى مكان، للانتجاع - ذكره قتادة - وقال ابن زيد: ذات العماد في إحكام البنيان. وقال الضحاك: معناه ذات القوى الشداد. وقال الحسن: العماد الأبنية العظام. وقيل: ان (ارم) هو سام بن نوح، وترك صرفه لأنه أعجمي معرفة. وقوله (التي لم يخلق مثلها في البلاد) يعني في عظم أجسامهم وشدة قوتهم وقوله (وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي) موضع (ثمود) جر بالعطف على قوله (بعاد) أي وثمود ولم يجره لأنه أعجمي معرفة، ومعنى (جابوا الصخر) أي قطعوا الصخر من الجبال بشدة قوتهم، يقال: جاب يجوب إذا قطع قال النابغة:

اتاك أبو ليلي يجوب به الدجى * دجى الليل جواب الغلاة غشمشم

قال مجاهد: قطعوا الجبال بيوتا كما قال (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) (1) وقوله (وفرعون ذي الأوتاد) قال ابن عباس: معناه ذي الجنود الذين كانوا يشدون أمره. وقال مجاهد: كان يوتد الأوتاد في أيدي الناس. وقال قتادة: ملاعب كان يلعب له فيها، ويضرب تحتها بالأوتاد. وقيل: ذي الأوتاد لكثرة الأوتاد التي كانوا يتخذونها للمضارب ولكثرة جموعهم، وكان فيهم أكثر منه في غيرهم، وقيل: إن فرعون كان إذا غضب على الرجل مده بين أربعة أوتاد حتى يموت. وقوله (الذين طغوا في البلاد) معناه إن هؤلاء الذين ذكرناهم تجاوزوا في الظلم الحد في البلاد، وخرجوا عن حد القلة وفسر ذلك بقوله (فأكثروا فيها الفساد) يعني أكثروا في البلاد الفساد، ثم بين ما فعل بهم عاجلا فقال (فصب عليهم ربك) يا محمد صلى الله عليه وآله (سوط عذاب) أي قسط عذاب كالعذاب بالسوط الذي يعرف إلا أنه أعظم، ويجوز أن يكون عنى قست عذاب يخالط اللحوم والدماء كما يخالط بالسوط من قولهم: ساطه يسوطه سوطا فهو سائط قال الشاعر:

أحارث إنا لو تساط دماؤنا * تزايلن حتى لا يمس دم دما (2)

وقيل: المعنى إنه جعل سوطه الذي ضربهم به انه صب عليهم العذاب. وقوله (إن ربك لبالمرصاد) معناه إن ربك يا محمد لا يفوته شئ من اعمال العباد كما لا يفوت من بالمرصاد. والمرصاد مفعال من رصده يرصده رصدا، فهو راصد إذا راعى ما يكون منه ليقابله بما يقتضيه، وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟فقال: (أبن) سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان. وقيل لا عرابي: أين ربك يا اعرابي ؟! قال بالمرصاد. وقال ابن عباس معناه إنه يسمع ويرى أعمال العباد. وقال الحسن والضحاك: لبالمرصاد بانصاف المظلوم من الظالم، ومعناه لا يجوزه ظلم ظالم حتى ينصف المظلوم منه.


1- سورة 26 الشعراء آية 149.

2- تفسير الشوكاني 5 / 424.