الآيات 21-26 من سورة الغاشية

قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ، إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ، إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾

القراءة:

قرأ أبو عمرو والكسائي بمسيطر بالسين باختلاف عنهما. الباقون بالصاد إلا حمزة، فإنه أشم الصاد زايا. لما بين الله تعالى الدلالة على وحدانيته ونبه على الاستدلال بها، قال لنبيه محمد صلى الله عليه وا له (فذكر) يا محمد (إنما أنت مذكر) فالتذكير التعريف للذكر بالبيان الذي يقع به الفهم، والنفع بالتذكير عظيم، لأنه طريق للعلم بالأمور التي نحتاج إليها وملين القلب للعمل بها، ومذكر يعني بنعم الله تعالى عندهم وما يجب عليهم في مقابلتها من الشكر والعبادة فقد أوضح الله تعالى طريق الحجج في الدين وأكده غاية التأكيد بما لا يسع فيه التقليد بقوله (إنما أنت مذكر) وقوله (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين) (1) وقوله (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) (2) و (آية لقوم يتفكرون) (3) و (آية لقوم يذكرون) (4) و (لايات لأولي الألباب) (5) وقوله (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) (6) وقوله (وجادلهم بالتي هي أحسن) (7) ومحاجة إبراهيم عليه السلام للكافر بربه (8) وقوله (فاعتبروا يا أولى الابصار) (9) وقوله (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها) (10) وقوله (لست عليهم بمسيطر) فالمسيطر المسلط على غيره بالقهر له يقال تسيطر فلان على فلان، وسيطر إذا تسلط، وعلى وزن مسيطر مبيطر. وقال أبو عبيدة: لا ثالث لهما من كلام العرب، وقيل: كان هذا قبل فرض الجهاد، ثم نسخ، ويجوز أن يكون غير منسوخ، لان الجهاد ليس باكراه القلوب. وقوله (إلا من تولى وكفر) قيل في هذا الاستثناء قولان:

أحدهما: انه منقطع وتقديره، لكن من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر

الثاني: إلا من تولى فإنك مسلط عليه بالجهاد، فالله يعذبه العذاب الأكبر. وقال الحسن المعنى: إلا من تولى وكفر، فكله إلى الله. وقيل معناه إلا من تولى وكفر فلست له بمذكر، لأنه لا يقبل منك، فكذلك لست تذكرة. وقوله (إن الينا إيابهم) فالاياب الرجوع، آب يؤب أوبا وإيابا وتأوب تأوبا وأوب يؤوب تأويبا، ويقال: أيب إيابا على (فيعل، فيعالا) من الاوب وعلى هذا قرئ في الشواذ (إيابهم) بالتشديد، قال عبيد:

وكل ذي غيبة يؤوب * وغائب الموت لا يؤوب (11)

والمعنى ان مرجع الخلق يوم القيامة - إلى الله فيحاسبهم ويجازي كل واحد منهم على قدر عمله، فحساب الكفار مقدار ما لهم وعليهم من استحقاق العقاب، وحساب المؤمن بيان ما له وعليه حتى يظهر استحقاق الثواب.


1- سورة 51 الذاريات آية 55.

2- سورة 16 النحل آية 67.

3- سورة 16 النحل آية 11، 69.

4- سورة 16 النحل آية 13.

5- سورة 3 آل عمران آية 190.

6- سورة 2 البقرة آية 111 وسورة 27 النمل آية 64.

7- سورة 16 النحل آية 25.

8- انظر 2 / 316 من هذا الكتاب.

9- سورة 59 الحشر آية 2.

10- سورة 47 محمد آية 24.

11- مر في 6 / 468.