الآيات 17-25 من سورة القلم
قوله تعالى: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ، وَلَا يَسْتَثْنُونَ، فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ، فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ، أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ، فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ، أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ، وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾
المعنى:
يقول الله تعالى (إنا بلوناهم) يعني هؤلاء الكفار أي اختبرناهم (كما بلونا أصحاب الجنة) يعني البستان (إذ أقسموا) أي حين اقسموا فيما بينهم (ليصر منها مصبحين) ووجه الكلام إنا بلونا أهل مكة بالجدب والقحط، كما بلونا أصحاب الجنة بهلاك الثمار التي كانت فيها حين دعا النبي صلى الله عليه وآله عليهم، فقال (اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف) فالبلوى المحنة بشدة التعبد على ما يقتضيه الحال في صحة التكليف. والصرم قطع ثمر النخل: صرم النخلة يصرمها صرما، فهو صارم، ومنه الصريمة القطيعة عن حال المودة. وهم عشرة أولاد كانوا لرجل من بني إسرائيل، وكان يأخذ من بستانه كفاية سنته ويتصدق بالباقي، فقال أولاده: ليس يكفينا، وحلفوا أنهم يصرمون بستانهم ليلا وأبى عليهم أبوهم، فأقسموا أنهم ليصرمون ثمر نخل البستان إذا أصبحوا، ولم يستثنوا، ومعناه لم يقولوا إن شاء الله فقول القائل: لا فعلن كذا إلا أن يشاء الله استثناء ومعناه إن شاء الله منعي أو تمكين ما نعي، فقال الله تعالى (فطاف عليها) يعني على تلك الجنة (طائف من ربك) أي طرقها طارق من أمر الله، فالطائف الطارق ليلا، فإذا قيل أطاف به صلح في الليل والنهار، وانشد الفراء:
اطفت به نهارا غير ليلى * والهي ربها طلب الرخال (1)
الرخال أولاد الضان واحدها رخل وفى الأنثى رخلة (وهم نائمون) أي في حال نومهم (فأصبحت) يعني الجنة (كالصريم) أي كالليل الأسود - في قول ابن عباس - وانشد أبو عمرو بن العلا:
ألا بكرت وعاذلني تلوم * تجهلني وما انكشف الصريم (2)
وقال:
تطاول ليلك الجون البهيم * فيما ينجاب عن صبح صريم
إذا ما قلت اقشع أو تناهى * جرت من كل ناحية غيوم (3)
وقال قوم: الصريم هو المصروم، وقال سعيد بن جبير: الصريم أرض معروفة باليمين لا نبات فيها تدعى صروان، وإنما قيل لليل صروم، لأنه يقطع بظلمته عن التصرف في الأمور. وقيل: إنما فعل الله بهم ذلك لأنهم منعوا الحقوق اللازمة من ثمار هذه الجنة. والصرم قطع الثمر. والصريم المصروم جميع ثماره. وقوله (فتنادوا مصبحين) اخبار عن حالهم أنهم لما أصبحوا نادى بعضهم بعضا يا فلان يا فلان، والتنادي دعاء بعض الناس بعضا بطريقة يا فلان وأصله من الندى بالقصر، لان النداء الدعاء بندى الصوت الذي يمتد على طريقة يا فلان، لان الصوت إنما يمتد للانسان بندى حلقه. والنادي مجلس الرفد وهو الندي (ان اغدوا على حرثكم) أي نادى بعضهم بعضا بأن اغدوا، أو قالوا: (اغدوا على حرثكم) والحرث الزرع الذي قد حرثت له الأرض، حرث يحرث حرثا والحراث الذي يحرث الأرض، ومنه الحارث، ومنه الحرث، كناية عن الجماع. ويقال: احترث لأهله إذا اكتسب بطلب الرزق، كما يطلب الحراث (إن كنتم صارمين) أي قاطعين لثماركم، فالصارم قاطع ثمر الشجر على الاستئصال. وأكثر ما يستعمل ذلك في النخل، ويجوز في الشجر، وأصله القطع. وقد تصرم النهار إذا مضى قطعة قطعة حتى انقضى. وقيل: معناه إن كنتم حاصدين زرعكم. ثم قال (فانطلقوا) أي ذهبوا، وهم (يتخافتون) فالتخافت التقابل في اخفاء الحركة، وأصله الخفاة من خفت فلان يخفت إذا اخفى نفسه ومعناه - ههنا - يتسارون بينهم (ألا يدخلنها اليوم عليكم مسكين) في - قول قتادة - وقوله (وغدوا على حرد) فالحرد القصد، حرد يحرد حردا فهو حارد. قال الشاعر:
اقبل سيل جاء من أمر الله * يحرد حرد الجنة المغلة (4)
أي يقصد، وقال الحسن: معناه على جهة من الفاقة. وقال مجاهد: معناه على جد من أمرهم، وهو قول قتادة وابن زيد: وقال سفيان: معناه على حنق، وذلك من قول الأشهب بن رميلة:
اسود شرى لاقت اسود خفية * فساقوا على حرد دماء الأساود (5)
أي على غضب. وقيل: معناه على منع من قولهم حاردت السنة إذا منعت قطرها، وحاردت الناقة إذا منعت لبنها. والأصل القصد. وقوله (قادرين) معناه مقدرين انهم يصرمون ثمارهم، ويجوز أن يكون المراد وغدوا على حرد قادرين عند أنفسهم على صرام جنتهم.
1- تفسير الطبري 19 / 17 واللسان (صرم).
2- تفسير الطبري 19 / 17 واللسان (صرم).
3- تفسير الطبري 19 / 17 واللسان (صرم).
4- مر في 6 / 217.
5- اللسان (حرد).