الآيات 12-15 من سورة الملك

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ، وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾

لما وصف الله تعالى الكفار وما أعده لهم من أليم العقاب، ذكر المؤمنين وما أعده لهم من جزيل الثواب، فقال (إن الذين يخشون ربهم) أي يخافون عذاب ربهم باتقاء معاصيه وفعل طاعاته (بالغيب) أي على وجه الاستسرار بذلك لان الخشية متي كانت بالغيب على ما قلناه كانت بعيدة من النفاق، وخالصة لوجه الله. وخشية الله بالغيب تنفع بأن يستحق عليها الثواب، والخشية في الظاهر وترك المعاصي لا يستحق بها الثواب وإنما لا يستحق عليها العقاب. وإنما الخشية في الغيب أفضل لا محالة. وقوله (لهم مغفرة وأجر كبير) أي لمن خشي الله واتقاه بالغيب ستر الله على معاصيه ولهم ثواب كبير لا فناء له. وقيل: معنى (يخشون ربهم بالغيب) أي يخافونه، وهم لا يرونه. وقيل (بالغيب) أي في سرهم وباطنهم، ومن علم ضمائر الصدور علم إسرار القائل إلى غيره. وقال الحسن: معناه يخشون ربهم بالآخرة لأنها غيب يؤمنون به، وكل من خشي ربه بالغيب خشيه بالشهادة، وليس كل من خشيه بالشهادة يخشى بالغيب. ثم قال مهددا للعصاة (وأسروا قولكم أو اجهروا به) ومعناه إن شئتم أظهروه وإن شئتم ابطنوه فإنه عالم بذلك ل? (انه عليم بذات الصدور) فمن علم ضمائر الصدور علم إسرار القول. وقوله (ألا يعلم من خلق) معناه من خلق الصدور يعلم ما في الصدور ويجوز أن يكون المراد ألا يعلم من خلق الأشياء ما في الصدور. وقيل تقديره ألا يعلم سر العبد من خلقه يعني من خلق العبد، ويجوز أن يكون المراد ألا يعلم سر من خلق، وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. ولا يجوز أن يكون المراد ألا يعلم من خلق افعال القلوب، لأنه لو أراد ذلك لقال ألا يعلم ما خلق، لأنه لا يعبر عما لا يعقل ب? (من) ولا يدل ذلك على أن الواحد منا لا يخلق أفعاله من حيث أنه لا يعلم الضمائر، وإنا بينا أن المراد ألا يعلم من خلق الصدور أي خلق الأشياء والواحد منا لا يخلق ذلك فلا يجب أن يكون عالما بالضمائر. وقوله (وهو اللطيف الخبير) معناه هو اللطيف بعباده من حيث يدبرهم بلطف التدبير، فلطيف التدبير هو الذي يدبر تدبيرا نافذا لا يخفو عن شئ يدبره به (الخبير) معناه العالم بهم وبأعمالهم. ثم قال تعالى ممتنا على خلقه ومعددا لأنواع نعمه عليهم (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا) يعني سهلا سهلها لكم تعملون فيها ما تشتهون (فامشوا في مناكبها) قال مجاهد: مناكبها طرقها وفجاجها. وقال ابن عباس وقتادة: مناكبها جبالها (وكلوا من رزقه) صورته صورة الامر والمراد به الإباحة والاذن، أذن الله تعالى أن يأكلوا مما خلقه لهم وجعله لهم رزقا على الوجه الذي أباحه لهم (واليه النشور) أي إلى الله المرجع يوم القيامة واليه المآل والمصير فيجازي كل واحد حسب عمله. وفي ذلك تهديد.