الآيات 1-5 من سورة التغابن
مدنية بلا خلاف - في قول ابن عباس وعطاء والضحاك - وهي ثمان عشرة آية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ، يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
المعنى:
قد فسرنا معنى قوله (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض) وأن المراد بها ما في خلق السماوات والأرض، وما فيهما من الأدلة الدالة على توحيده وصفاته التي باين بها خلقه، وأنه لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ وأنه منزه عن القبائح وصفات النقص، فعبر عن ذلك بالتسبيح من حيث كان معنى التسبيح التنزيه لله عما لا يليق به. وقوله (له الملك) معناه انه المالك لجميع ذلك والمتصرف فيه بما شاء، ولا أحد يمنعه منه، وله الحمد على جميع ذلك، لان خلق ذلك اجمع للاحسان إلى خلقه به والنفع لهم فاستحق بذلك الحمد والشكر (وهو على كل شئ قدير) يعني مما يصح أن يكون مقدورا له، فلا يدخل في ذلك مقدور العباد، لأنه يستحيل أن يكون مقدورا لله. وقوله (هو الذي خلقكم) معناه هو الذي اخترعكم وأنشأكم بأن أخرجكم من العدم إلى الوجود (فمنكم كافر ومنكم مؤمن) معناه فمنكم من يختار الكفر بسوء اختياره ومنكم مؤمن بحسن اختياره للايمان. وقال الحسن: فيه محذوف وتقديره فمنكم كافر ومنكم مؤمن ومنكم فاسق. وقال غيره: ليس فيه حذف، لان الغرض ذكر الطرفين لا المنزلة بين المنزلتين كما أن قوله (خلقكم) خطاب يتوجه إلى جميع الخلق. وإن كان منهم الأطفال والمجانين الذين لا حكم لهم بالايمان ولا بالكفر وقال الزجاج: معناه (فمنكم كافر) بالله بأن الله خلقه (ومنكم مؤمن) بذلك. وقوله (والله بما تعملون بصير) معناه - ههنا - أنه خلق الكافر، وهو عالم بما يكون منه من الكفر، وكذلك خلق المؤمن وعلم بما يكون منه من الايمان، وكل ذلك على وجه الاحسان في الفعل الذي يستحق به الحمد والشكر. ثم قال (خلق السماوات والأرض) بمعنى اخترعهما وأنشأهما (بالحق) أي للحق وهو انه خلق العقلاء تعريضا لهم للثواب العظيم، وما عداهم خلق تبعا لهم لما فيه من اللطف، وهذا الغرض لا يتأتى إلا على مذهب العدل، وأما على مذهب الجبر فلا. (وصوركم متوجه إلى البشر كلهم (فأحسن صوركم) معناه من الحسن الذي يقتضيه العقل لا في قبول الطبع له عند رؤيته، لان فيهم من ليس بهذه الصفة. وقال قوم: لا بل هو من تقبل الطبع لأنه إذا قيل: حسن الصورة لا يفهم منه إلا تقبل الطبع، وسبيله كسيل قوله لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) (1) وإن كان فيهم المشوه الخلق لان هذا عارض لا يعتد به في هذا الوصف، والله تعالى خلق الانسان على أحسن صورة الحيوان كله. والصورة عبارة عن بنية مخصوصة كصورة الانسان والفرس والطير وما أشبه ذلك. ثم قال (واليه المصير) يعني إليه المرجع يوم القيامة واليه المآل. ثم قال (يعلم) يعني الله تعالى بعلم (ما في السماوات والأرض) من الموجودات (ويعلم ما تسرون وما تعلنون) أي ما تظهرونه وما تخفونه. وقيل: ما يسره بعضكم إلى بعض وما تخفوه في صدوركم عن غيركم. والفرق بين الاسرار والاخفاء أن الاخفاء أعم لأنه قد يخفى شخصه وقد يخفى المعنى في نفسه والاسرار والمعنى دون الشخص (والله عليم بذات الصدور) معناه وهو عالم بأسرار الصدور وبواطنها. ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله والمؤمنين فقال (ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل) يعني من قبل هؤلاء الكفار (فذاقوا وبال أمرهم) أي بما سلطه الله عليهم بأن أهلكهم الله عاجلا واستأصلهم (ولهم عذاب اليم) أي مؤلم يوم القيامة.
1- سورة 95 التين آية 4.