الآيات 1-5 من سورة المنافقون
مدنية بلا خلاف وهو قول ابن عباس وعطا والضحاك وهي احدى عشرة آية بلا خلاف.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ، اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ، وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾
القراءة:
قرأ (خشب) خفيفة ابن كثير وأبو عمرو والكسائي. وقرأ الباقون (خشب) مثقل. وقرأ نافع وروح وزيد (لووا رؤسهم) خفيفة. الباقون (لووا) مشددة. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله (إذا جاءك) يا محمد (المنافقون) وهم الذين يطهرون الايمان ويبطنون الكفر (قالوا نشهد إنك لرسول الله) أي أخبروا بأنهم يعتقدون إنك رسول الله. فقال الله تعالى لنبيه (والله يعلم انك لرسوله) على الحقيقة (والله يشهد ان المنافقين لكاذبون) في قولهم إنهم يعتقدون إنك لرسول الله، وكان إكذابهم في اعتقادهم وأنهم يشهدون ذلك بقلوبهم ولم يكونوا فيما يرجع إلى ألسنتهم، لأنهم شهدوا بها بألسنتهم وهم صادقون في ذلك وفي ذلك دلالة على بطلان قول من يقول إن المعرفة ضرورية. وكسرت (إن) لأجل اللام التي هي لام الابتداء التي في الخبر، لان لها صدر الكلام. وإنما زحلقت عن موضعها إلى موضع الخبر لئلا تجمع بين حرفي تأكيد، وكانت أحق بالتأخير، لأنها غير عامة. وإنما كان لها صدر الكلام، لأنها نقلت الجملة إلى معنى التأكيد وكل حرف نقل الجملة عن معنى إلى معنى كان له صدر الكلام، لئلا تختلط الجمل. ثم اخبر تعالى عن هؤلاء المنافقين فقال (اتخذوا أيمانهم جنة) أي سترة يتسترون بها من الكفر لئلا يقتلوا ولا يسبوا ولا تؤخذ أموالهم. والجنة السترة المتخذة لدفع الأذية كالسلاح المتخذ لدفع الجراح، فالجنة السترة، والجنة البستان الذي يجنه الشجر. الجنة والجنون الذي يغطي على العقل. واصل ذلك كله الستر (فصدوا عن سبيل الله) أي منعوا غيرهم عن اتباع سبيل الحق. وقال الضحاك: أيمانهم حلفهم إنهم لمنكم. وقرئ (إيمانهم) بكسر الهمزة بمعنى أنهم اتخذوا تصديقهم ظاهرا جنة، فقال تعالى) انهم ساء ما كانوا يعملون) ومعناه بئس الذي يعملونه من اظهار الايمان مع إبطان الكفر والصد عن السبيل. وقال زيد بن أرقم: نزلت الآية في عبد الله بن أبي بن سلول، لما قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأغر منها الأذل، فملا وقف على ذلك جحده وحلف انه ما قاله حتى نزلت السورة. وقوله) ذلك بأنهم آمنوا) بألسنتهم عند الاقرار ب? (لا إله إلا الله محمد رسول الله) (ثم كفروا) بقلوبهم لما كذبوا بهذا وهو قول قتادة (فطبع على قلوبهم) أي ختم عليها بسمة تميز الملائكة بينهم وبين المؤمنين على الحقيقة (فهم لا يفقهون) ذلك بجحدهم توحيد الله ونفاقهم وإنكارهم نبوة رسوله الذي دعاهم إلى الحق. ثم قال: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) بحسن منظرهم وجميل زيهم (وان يقولوا) يعنى هؤلاء المنافقون (تسمع لقولهم) أي تصغي إليهم وتسمع ما يقولون بحسن بيانهم وبلاغة لسانهم، فقال تعالى (كأنهم خشب مسندة) فشبههم الله بالخشب المسندة، قيل: إنهم شبهو بخشب نخرة متأكلة لا خير فيها إلا أنها مسندة يحسب من يراها أنها صحيحة سليمة. وخشب جمع خشبة مثل بدن وبدنة فيمن سكن. ومن ضم قال: مثل ثمرة وثمر ثم وصفهم بالخور والهلع فقال (يحسبون كل صحيحة عليهم) أي يظنون أنها مهلكتهم، وأنهم المقصودون بها جبنا وخورا. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (هم العدو) لك وللمؤمنين (فاحذرهم) وتوقهم (قاتلهم الله) وقيل: معناه أخزاهم الله. وقيل: معناه أحلهم الله محل من يقاتله عدو قاهر له، وهذا أشد ما يكون من الذم والبلاء الذي ينزل بهم وأبلغ ما يكون في البيان عن مكروههم (أنى يؤفكون) أي كيف يصرفون عن الحق. وإنما قال (فاحذرهم) لأنهم كانوا ينقلون الاسرار إلى الكفار ويحيون من قدروا عليه من أهل الكفر. ثم اخبر تعالى فقال (وإذا قيل لهم) يعني لهؤلاء المنافقين (تعالوا) أي هلموا (يستغفر لكم رسول الله لووا رؤسهم) ومعناه أكثروا تحريكها بالهز لها استهزاء بدعائهم إلى ذلك. فمن شدد أراد تكثير الفعل. وممن خفف فلانه يدل على القليل والكثير. ثم قال: ورأيتهم يا محمد (يصدون) عن سبيل الحق (وهم مستكبرون) أي يطلبون الكبر ويتجبرون عن اتباع الحق.