الآيات 16-20
قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾
المعنى:
معنى قوله (كمثل الشيطان) أي مثل هؤلاء المنافقين فيما قالوا لليهود، مثل قيل الشيطان (إذ قال للانسان اكفر) وأغواه به ودعاه إليه (فلما كفر) يعني الانسان (قال) الشيطان (إني برئ منك اني أخاف الله رب العالمين) بمعنى أخاف عقابه. وإنما يقول الشيطان للانسان اكفر بأن يدعوه إليه ويغويه به ويقول له: التوحيد ليس له حقيقة والشرك هو الحق ويأمره بجحد النبوة، ويقول لا أصل لها. وإنما هي مخرقة. والبراءة قطع العلقة إلى ما تقتضيه العداوة فهذه البراءة من الدين، وقد تكون البراءة قطع العلقة بما يدفع المطالبة كبراءة الدين، وبراءة الطلاق، وبراءة الذمي إذا أخذت منه الجزية. والأصل قطع العلقة التي يقع بها مطالبة في نقيض الحكمة، فالتقدير في الآية إن مثل المنافقين في وعدهم لبني النضير مثل الشيطان في وعده للانسان بالغرور، فلما أحتاج إليه الانسان أسلمه للهلاك. وقيل: إن ذلك في إنسان بعينه كل من الرهبان فأغواه الشيطان بأن ينجيه من بلية وقع فيها عند السلطان، فقال له: اسجد لي سجدة واحدة، فلما احتاج إليه أسلمه حتى قتل - روي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود - وقال مجاهد: هو عام في جميع الكفار، فقال الله تعالى (فكان عاقبتهما) يعني عاقبة الفريقين الداعي والمدعو من الشيطان ومن أغواه والمنافقين واليهود (أنهما في النار) معذبان فيها، والعاقبة نهاية العمل في البادية، فعاقبة الطاعة الله تعالى الجنة، وعاقبة معصيته النار (خالدين فيها) أي مؤبدين فيها معذبين ثم قال (وذلك جزاء الظالمين) لأنفسهم بارتكاب المعاصي. ثم خاطب المؤمنين فقال (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) باجتناب معاصيه وفعل طاعاته (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) أي تنظر وتفكر ما الذي تقدمه من الافعال ليوم القيامة من طاعة أو معصية (واتقوا الله) باجتناب معاصيه وفعل طاعاته (إن الله خبير بما تعملون) أي عالم بأعمالكم لا يخفى عليه شئ منها فيجازيكم بحسبها على الطاعات بالثواب وعلى المعاصي بالعقاب. وقيل معناه (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) فيما تقدم نفس لغد (واتقوا الله) فيما يعلمه منكم، وليس ذلك بتكرار ثم قال (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) أي كالذين تركوا أداء حق الله فإنهم نسوه فأنساهم أنفسهم بأن حرمهم حظوظهم من الخير والثواب، وقال سفيان: نسوا حق الله فأنساهم حظ أنفسهم. وقيل: نسوا الله بترك ذكره والشكر والتعظيم فأنساهم أنفسهم بالعذاب الذي نسي به بعضهم بعضا، كما قال تعالى (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) (1) أي يسلم بعضكم على بعض ثم اخبر عنهم فقال (أولئك هم الفاسقون) الذين خرجوا من طاعته إلى معصيته. وقوله (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة) أي لا يتساويان، لان هؤلاء مستحقون للنار وأولئك مستحقون لثواب الجنة، ثم قال (أصحاب الجنة هم الفائزون) بثواب الله. ولا يدل على أن من معه إيمان وفسق لا يدخل الجنة، لأنه تعالى قسم أصحاب الجنة وأصحاب النار الذين يستحقون ثوابا بلا عقاب أو عقابا بلا ثواب، لأنهما لا يتقاربان، ولم يذكر من يستحق الامرين. وعندنا أن الفاسق المسلم يستحق الامرين فليس هو داخلا فيه.
1- سورة 24 النور آية 61.