الآيات 110-111
قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾
هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن " قل " يا محمد لمشركي قومك المنكرين لنبوتك الجاحدين لدعائك وتسميتك الله تعالى بالرحمن " ادعوا الله أو ادعوا الرحمن " أيها القوم " أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى " معناه بأي أسمائه تعالى تدعون ربكم به، وإنما تدعون واحد، فله الأسماء الحسنى، وإنما أمره بذلك، لان مشركي قومه لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله تارة بأنه الله وتارة بأنه الرحمن، فظنوا أنه يدعو إلهين حتى قال بعضهم: الرحمن رجل باليمامة، فأنزل الله هذه الآية احتجاجا لنبيه صلى الله عليه وسلم بذلك، وانه شئ واحد، وإن اختلفت أسماؤه وصفاته، وبه قال ابن عباس ومكحول ومجاهد وغيرهم. (وما) في قوله " أياما " يحتمل أن يكون صلة، كقوله " عما قليل ليصبحن نادمين " (1)، ويحتمل أن يكون بمعنى أي كررت لاختلاف لفظها، كما قالوا: ما رأينا كالليلة ليلة. وقوله " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا " نهي من الله تعالى عن الجهر العظيم في حال الصلاة، وعن المخافتة الشديدة وأمر بأن يتخذ بين ذلك سبيلا. وحد أصحابه الجهر فيما يجب الجهر فيه بأن يسمع غيره، والمخافتة بأن يسمع نفسه. واختلفوا في الصلاة التي عنى بها بالآية في قوله " ولا تجهر بصلاتك " فقال الحسن لا تجهر بإشاعتها عند من يؤذيك، ولا تخافت بها عند من يلتمسها منك. وقال قوم: لا تجهر بدعائك ولا تخافت، ولكن بين ذلك، قالوا: والمراد بالصلاة الدعاء، ذهبت إليه عائشة، وابن عباس، وأبو عياض، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن شداد، والزبير، ومكحول. وروي عن ابن عباس - في رواية أخرى - أن النبي كان إذا صلى يجهر في صلاته، فسمعه المشركون فشتموه وآذوه وآذوا أصحابه، فأمر الله بترك الجهر، وكان ذلك بمكة في أول الأمر، وبه قال سعيد بن جبير. وقال قوم: أراد لا تجهر بتشهدك في الصلاة ولا تخافت به، روي ذلك عن عائشة - في رواية أخرى - وبه قال ابن سيرين. وقال قوم: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة جهرا فأمر بإخفاتها، ذهب إليه عكرمة والحسن البصري، وقال قوم: معناه لا تجهر بصلاتك تحسنها مراءاة، في العلانية، ولا تخافت بها، تثني في القيام بها في السريرة، روي ذلك عن الحسن وقتادة وابن عباس في رواية. وبه قال ابن زيد وابن وهب. وقال الطبري: يحتمل أن يكون المراد لا تجهر بصلاتك صلاة النهاز العجماء، ولا تخافت بها، يعني صلاة الليل التي تجهر فيها بالقراءة، قال: وهذا محتمل غير أنه لم يقل به أحد من أهل التأويل. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل يا محمد " الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا " فيكون مربوبا لا ربا، لان رب الأرباب لا يجوز أن يكون له ولد " ولم يكن له شريك " في ملكه فيكون عاجزا محتاجا إلى غيره ليعينه فيكون ضعيفا، ولا يجوز أن يكون الاله بهذه الصفة " ولم يكن له ولي من الذل " معناه لم يكن له حليف حالفه لينصره على من يناوئه، لان ذلك صفة ضعيف عاجز، ولا يجوز أن يكون الاله بهذه الصفة، ثم أمره بأن يعظمه تعظيما لا يساويه تعظيم، ولا يقاربه لعلو منزلته. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلم أهله هذه الآية. وما قلناه هو قول مجاهد وسعيد بن جبير وابن عباس. وقال محمد بن كعب القرطي: في هذه الآية رد على اليهود والنصارى حين قالوا اتخذ الله الولد - وعلى مشركي العرب حيث قالوا: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك. وعلى الصابئين والمجوس حين قالوا: ، لولا أولياء الله لذل الله. فأنزل الله ردا لقولهم أجمعين. وليس لاحد أن يقول: كيف يحمد الله على أن لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، والحمد إنما يستحق على فعل ما له صفة التفضل، وذلك أن الحمد في الآية ليس هو على أن لم يفعل ذلك. وإنما هو حمد على أفعاله المحمودة، ووجه إلى من هذه صفته، لا من أجل أن ذلك صفته، كما تقول: أنا أشكر فلانا الطويل الجميل، ليس انك تشكره على جماله وطوله، بل على غير ذلك من فعله ومعنى " وكبره تكبيرا " صفه بصفاته التي لا يشركه فيها أحد. وقيل: كبره عن كل ما لا يليق وصفه به.
تم المجلد السادس من تفسير التبيان ويليه المجلد السابع وأوله: أول سورة الكهف في ربيع الأول سنة 1381 ه?. آب سنة 1961 م
1- سورة 23 المؤمنون آية 40.