الآيات 7-10

قوله تعالى: ﴿وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر " كيلا تكون " بالتاء " دولة " بالرفع أضاف الفعل إلى (دولة). الباقون بالياء " دولة " نصب أرادوا الفئ والمال. قوله " وما أفاء الله على رسوله منهم " يعني من اليهود الذين أجلاهم من بني النضير، وإن كان الحكم ساريا في جميع الكفار إذا كان حكمهم، فالفئ رد ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك الله إياهم ذلك، على ما شرط فيه، يقال: فاء بفئ فيئا إذا رجع وأفأته عليه إذا رددته عليه. وقال عمر بن الخطاب ومعمر: مال الفئ هو مال الجزية والخراج. والفئ كل ما رجع من أموال الكافرين إلى المؤمنين، سواء كان غنيمة أو غير غنيمة، فالغنيمة ما اخذ بالسيف، فأربعة أخماسه للمقاتلة وخمسه للذين ذكرهم الله في قوله " واعلموا أنما غنمتم.. " الآية (1). وقال كثير من العلماء: ان الفئ المذكور في هذه الآية هو الغنيمة. وقال قوم: مال الفئ خلاف مال الصدقات، لان مال الفئ أوسع، فإنه يجوز ان يصرف في مصالح المسلمين، ومال الصدقات إنما هو في الأصناف الثمانية. وقال قوم: مال الفئ يأخذ منه الفقراء من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله باجماع الصحابة في زمن عمر ابن الخطاب، ولم يخالفه فيه أحد إلا الشافعي، فإنه قال: يأخذ منه الفقراء والأغنياء، وإنما ذكروا في الآية لأنهم منعوا الصدقة، فبين الله أن لهم في مال الفئ حقا. وقال عمر بن الخطاب: مال بني النضير كان في الرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة " ولذي القربى " قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله من بني هاشم وبني عبد المطلب. وقيل: جعل أبو بكر وعمر سهمين: سهم رسوله وسهم قرابته من الأغنياء في سبيل الله، وصدقة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ذكره قتادة. والباقي في أهل الحاجة من أطفال المسلمين الذين لا أبالهم، وابن السبيل المنقطع به من المسافرين في غير معصية الله. وقال يزيد ابن رومان: الغنيمة ما أخذ من دار الحرب بالقتال عنوة. وقيل: كانت الغنائم في صدر الاسلام لهؤلاء الأصناف. ثم نسخ بما ذكره في سورة الأنفال: بالخمس. والباقي للمحاربين - ذكره قتادة -. والذي نذهب إليه أن مال الفئ غير مال الغنيمة، فالغنيمة كل ما اخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله إلى دار الاسلام، وما لا يمكن نقله إلى دار الاسلام، فهو لجميع المسلمين ينظر فيه الامام ويصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين. والفئ كل ما اخذ من الكفار بغير قتال أو انجلاء أهلها وكان ذلك للنبي صلى الله عليه وآله خاصة يضعه في المذكورين في هذه الآية، وهو لمن قام مقامه من الأئمة الراشدين. وقد بين الله تعالى ذلك. ومال بني النضير كان للنبي خاصة، وقد بينه الله بقوله " وما أفاء الله " يعني ما رجعه الله ورده " على رسوله منهم " يعني من بني النضير. ثم بين فقال " فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب " أي لم توجفوا على ذلك بخيل ولا ركاب. والايجاف الايقاع، وهو تسيير الخيل والركاب وهو من وجف يجف وجيفا، وهو تحرك باضطراب، فالايجاف الازعاج للسير، والركاب الإبل " ولكن الله يسلط رسله على من يشاء " من عباده حتى يقهروهم ويأخذوا ما لهم (والله على كل شئ قدير). ثم قال مبينا من استحق ذلك، فقال (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) يعني بني النضير (فلله وللرسول ولذي القربى) يعني أهل بيت رسول الله " واليتامى والمساكين وابن السبيل " من أهل بيت رسول الله لان تقديره ولذي قرباه ويتامى أهل بيته، وابن سبيلهم، لان الألف واللام تعاقب الضمير، وظاهره يقتضي أنه لهؤلاء سواء كانوا أغنياء أو فقراء. ثم بين لم فعل ذلك فقال " كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم " فالدولة - بضم الدال - نقلة النعمة من قوم إلى قوم وبفتح الدال المرة من الاستيلاء والغلبة. ثم قال " وما أتاكم الرسول فخذوه " أي ما أعطاكم رسوله من الفئ فخذوه وارضوا به. وما أمركم به فافعلوه " وما نهاكم عنه فانتهوا " عنه فإنه لا يأمر ولا ينهى إلا عن أمر الله. ثم قال " واتقوا الله " في ترك معاصيه وفعل طاعاته " إن الله شديد العقاب " لمن عصاه وترك أو امره. ثم قال " للفقراء " يعني الذين لا مال لهم " المهاجرين " الذين هاجروا من مكة إلى المدينة أو هاجروا من دار الحرب إلى دار الاسلام " الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم " الذي كان لهم بمكة فأخرجوا منها " يبتغون فضلا " أي طالبين بذلك فضلا " من الله ورضوانا " فالجملة في موضع الحال " وينصرون الله ورسوله " يعني ناصرين لدين الله ورسوله " أولئك هم الصادقون " عند الله في الحقيقة العظيموا المنزلة لديه. وقيل: تقدير الآية " كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم " بل للفقراء المهاجرين. ثم وصف الأنصار فقال " والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم " أي جعلوا ديارهم موضع مقامهم وآمنوا بالله من قبلهم نزلت في الأنصار، فإنهم نزلوا المدينة قبل نزول المهاجرين. وقيل إن كان من نزل بالمدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله فهو من الأنصار. وقوله " والايمان من قبلهم " يعني إن الأنصار آمنوا قبل هجرة المهاجرين وإن كان في المهاجرين من آمن قبل إيمان الأنصار " يحبون من هاجر إليهم " من أهل مكة " ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا " قال الحسن يعني حسدا، قال الزجاج: معناه لا تجد الأنصار في نفوسهم حاجة مما يعطون المهاجرين. وقال البلخي: لا يجدون حاجة في نفوسهم مما يؤتون المهاجرين من الفضل في الدين، وقال الطبري: معناه لا يجدون في نفوسهم حاجة فيما أعطي المهاجرين من مال بني النضير، فان النبي خص به المهاجرين إلا رجلين من الأنصار: أباد دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف أعطاهما لفقرهما. وإنما فعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك لان مال بني النضير كان له خاصة. والمهاجرين بهم حاجة خصهم بذلك. والأنصار كانوا في غنى فرضوا بذلك، ومدحهم الله على ذلك - ذكره ابن زيد -. وقوله " ويؤثرون على أنفسهم " أي يختارون على أنفسهم من يولونه من مالهم من المهاجرين " ولو كان بهم خصاصة " يعني حاجة. والخصاصة الحاجة التي يختل بها الحال. والخصاص الفرج التي يتخللها البصر، والواحد خصاص. قال الراجز: والناظرات من خصاص لمحا وأصله الاختصاص بالانفراد بالامر والخصاص الانفراد عما يحتاج إليه والخصوص الانفراد ببعض ما وضع له الاسم، والخص انفراد كل قصبة من أختها في الاشراج، والخاصة انفراد المعنى بما يقوله دون غيره. وقوله " ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " أي من منع شح نفسه. والشح والبخل واحد. وفى أسماء الدين هو منع الواجب " فأولئك هم المفلحون " يعني المنجحين الفائزين بثواب الله ونعيم جنته. ثم قال " والذين جاؤوا من بعدهم " يعني بعد المهاجرين والأنصار، وهم جميع التابعين لهم إلى يوم القيامة - في قول الحسن - وهو كل من أسلم بعد العصر الأول. وقال الأصم: يعني من جاءك من المهاجرين أي بعد انقطاع الهجرة وبعد إيمان الأنصار " يقولون ربنا " الجملة في موضع الحال، وتقديره قائلين " ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا " أي حقدا وغشا " للذين آمنوا " ويقولون " ربنا إنك رؤوف رحيم " أي متعطف على عبادك منعم عليهم. وقسمة الغنيمة عندنا للفارس سهمان وللراجل سهم. وقال قوم: للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم إلا ما كان من الأرض والأشجار، فإنه للامام أن يقسمها إن شاء، وله ان يجعلها أرض الخراج ويردها إلى من كانت في أيديهم قبل، على هذا الوصف بحسب ما يرى، كما فعل عمر بأرض السواد. وقيل: إن النبي صلى الله عليه وآله فتح مكة عنوة ولم يقسم أرضها بين المقاتلة. وقال قوم: فتحا سلما. وقسم كثيرا من غنائم حنين في المؤلفة قلوبهم دون المقاتلة حتى وقع من نفر من الأنصار في ذلك ما وقع، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اما ترضون ان يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله، فرضوا وسلموا لله ورسوله في قصة مشهورة.


1- سورة 8 الأنفال آية 41.