الآيات 101-102
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا، قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا﴾
القراءة:
قرأ الكسائي وحده " لقد علمت " بضم التاء. الباقون بفتحها. حجة من فتح أنه قال: إن فرعون وملأه ممن تبعه قد علموا صحة أمر موسى وأن ما أتى به ليس بسحر بدلالة قوله " لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك (1) " وقوله " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين. وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " (2) وقولهم " يا أيها الساحر ادع لنا ربك " (3) ومن قرأ بضم التاء فمن علم موسى. فان قيل له كيف يصح الاحتجاج عليهم بعلمه، وعلمه لا يكون حجة على فرعون وملائه، وإنما يكون علم فرعون ما علمه من صحة أمر موسى حجة عليه؟. نقول: إنه لما قيل له " إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون " (4) كان ذلك قدحا في علمه، لان المجنون لا يعلم، فكأنه نفى ذلك، فقال لقد علمت صحة ما أتيت به، وأنه ليس بسحر، علما صحيحا كعلم العقلاء، فصارت الحجة عليه من هذا الوجه. ورويت هذه القراءة عن أمير المؤمنين (ع) يقول الله تعالى مخبرا عما أعطى موسى من الآيات وذكر أنها تسع آيات معجزات بينات ظاهرات دالات على صحة نبوته. واختلفوا في هذه التسع: فقال ابن عباس والضحاك: هي يد موسى، وعصاه، ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم " آيات مفصلات ". وقال محمد ابن كعب القرطي: الجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والبحر، وعصاه والطمسة، والحجر. والطمسة دعاء موسى وتأمين هارون، فقال الله تعالى " قد أجيبت دعوتكما (5) " وفي رواية عكرمة عن ابن عباس، ومطر الوراق: الطوفان والجراد، والقمل، والضفادع والدم، والعصا، واليد، والسنون، ونقص من الثمرات. وبه قال الشعبي ومجاهد. وقال الحسن مثل ذلك، غير أنه جعل الاخذ بالسنين ونقص الثمرات آية واحدة. وجعل التاسعة تلقف العصا ما يأفكون. وقال صفوان ابن عسال: سأل يهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسع آيات، فقال: (هن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرمها الله الا بالحق، ولا تمشوا ببرئ إلى السلطان يقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربو، ولا تقذفوا المحصنة، ولا تولوا الفرار يوم الزحف، وعليكم خاصة يا يهود أن لا تعتدوا في السبت) (6) فقبل يده، وقال أشهد أنك نبي الله. وقوله " فاسأل بني إسرائيل " أمر النبي أن يسأل بني إسرائيل " إذ جاءهم موسى ". وقال الحسن عن ابن عباس، قال: معناه سؤالك إياهم، نظرك في القرآن. وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ " فسأل بني إسرائيل " يعني فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أن يرسلهم معه. وقوله " فقال له فرعون " حكاية عما قال فرعون لموسى " إني لأضنك يا موسى مسحورا " أي معطا علم السحر بهذه العجائب التي تفعلها من سحرك، وقد يجوز أن يكون المراد " إني لأظنك يا موسى " ساحرا، فوضع (مفعول) موضع (فاعل)، مثل مشؤم وميمون موضع شائم ويامن. وقيل معناه: إنك سحرت، فأنت تحمل نفسك على ما يقوله السحر الذي بك وقيل مسحور بمعنى مخدوع. وقوله " قال لقد علمت " حكاية عما أجاب به موسى فرعون فإنه قال " لقد علمت " يا فرعون أن ما جئت به ليس بسحر وإني صادق. ومن قرأ بضم التاء معناه إنه لما قال له فرعون " إني لأظنك يا موسى مسحورا " قال له موسى " لقد علمت " اني لست كذلك وأنه ما أنزل هذه الآيات " إلا رب السماوات والأرض " الذي خلقهن وجعلهن " بصائر " أي حججا واضحة واحدها بصيرة " واني لأظنك يا فرعون مثبورا " اي ملعونا ممنوعا من الخير، تقول العرب ما ثبرك عن هذا الامر أي ما منعك منه، وما صرفك عنه، وثبره الله، فهو يثبره ويثبره لغتان. ورجل مثبور محبوس عن الخيرات. قال الشاعر: إذا جارى الشيطان في سنن الغي فمن مال ميله مثبور (7) وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير، وقال قوم: معناه مغلوبا، روي ذلك عن ابن عباس في رواية أخرى، وبه قال الضحاك. وقال مجاهد: هالكا، وبه قال قتادة. وقال عطية العوفي: مغيرا مبدلا. وقال ابن زيد: معناه مخبولا لا عقل له.
1- سورة الأعراف آية 133.
2- سورة 27 النمل اية 13 - 14.
3- سورة 43 الزخرف اية 49.
4- سورة 26 الشعراء اية 27.
5- سورة 10 يونس اية 89.
6- في بعض المخطوطات (لا تسخروا في السبت) وفي بعضها (لا تصيدوا في السبت) وقد أثبتنا ما في المطبوعة لموافقته لقوله تعالى " لا تعدوا في السبت " في سورة النساء آية 154، وفي سورة البقرة آية 65 " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت " وفي سورة الأعراف اية 162 " إذ يعدون في السبت ".
7- تفسير الطبري 15: 109.