الآيات 85-87
قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً، وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً، إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا﴾
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " يسألونك عن الروح " يا محمد. واختلفوا في الروح الذي سألوا عنه. فقال ابن عباس: هو جبرائيل. وروي عن علي (ع) أن الروح ملك من الملائكة له سبعون الف وجه في كل وجه سبعون الف لسان يسبح الله بجميع ذلك. وقيل: هو روح الحيوان، وهو الأظهر في الكلام. وقال قتادة: الذي سأله عن ذلك قوم من اليهود. وقيل: الروح هو القرآن، ذكره الحسن، لقوله: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا " (1) واختاره البلخي، وقوى ذلك بقوله بعدها: " ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك " يعني القرآن، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهم " الروح من أمر ربي " فعلى قول من قال: انهم سألوا عن القرآن أو عن جبرائيل أو الملك أو روح الحيوان، فقد أجاب عنه لأنه قال: " من أمر ربي " أي من خلق ربي وفعله. وعلى قول: من قال إنهم سألوه عن ماهية الانسان، لم يجب، وإنما عدل عن جوابهم، لأنهم وجدوا في كتابهم انه إن أجاب عن الروح، فليس بنبي، فأراد صلى الله عليه وسلم ان يصدق نبوته بموافقة امتناعه من الجواب، لما في كتابهم. ويقوي ذلك قوله: " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " اي لم أعط من العلم الا شيئا يسيرا، والأكثر لا اعلمه، لان معلومات الله تعالى لا نهاية لها. والروح من الأمور المتروكة التي لا يصلح النص عليها، لأنه ينافي الحكمة، لما فيه من الاستفساد. وإنما اعلم ما نص لي عليه مما يقتضي المصلحة، وهو قليل من كثير. وقيل أيضا انهم لم يجابوا عن الروح، لان المصلحة اقتضت ان يحالوا على ما في عقولهم من الدلالة عليه، لما في ذلك من الرياضة على استخراج الفائدة، وان ما طريقه السمع، فقد اتى به، وما طريقه العقل، فإنما يأتي به مؤكدا لما في العقل لضرب من التأكيد، ولما فيه من المصلحة. والروح جسم رقيق هوائي على بنية حيوانية في كل جزء منه حياة، ذكره الرماني. وقال: كل حيوان، فهو روح وبدن الا أن فيهم من الأغلب عليه الروح، وفيهم من الأغلب عليه البدن. ثم قال: " ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك " ومعناه اني أقدر ان آخذ ما أعطيك، كما منعته من غيرك، لكني ي دبرتك بالرحمة لك، فأعطيتك ما تحتاج إليه ومنعتك ما لا تحتاج إليه والى النص عليه. وان توهم. قوم أنه مما يحتاج إليه، فتدبر أنت بتدبير ربك وارض بما اختاره لك، ولو فعلنا ذلك لم تجد لك علينا وكيلا يستوفي ذلك منا، وقال قوم: معنى " وان شئنا لنذهبن " اي لنمحون - هنا - القرآن من صدرك وصدر أمتك. وقوله: " الا رحمة من ربك " أعطاك ما أعطاك من العلوم ومنعك ما منعك منها " إن فضل الله كان " فيما مضى وفيما يستقبل " عليك كبيرا " عظيما، فقابله بالشكر.
1- سورة 18 الكهف آية 34.