الآيات 11-15
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
القراءة:
قرأ عاصم وحده " تفسحوا في المجالس " على الجمع لاختلافها، الباقون في " المجلس " على التوحيد، لأنهم ذهبوا مذهب الجنس، لأنه مصدر يدل على القليل والكثير. لأنهم أرادوا مجلس النبي صلى الله عليه وآله فعلى هذا الوجه الافراد. ومن جمع أراد كل جالس مجالس أي موضع جلوس، وقرأ " انشزوا " بضم الشين نافع وابن عامر وعاصم إلا حمادا ويحيى عن أبي بكر. الباقون بكسر الشين وهما لغتان مثل (يعرشون ويعرشون، ويعكفون ويعكفون). يقول الله تعالى مخاطبا للمؤمنين وآمرا لهم بأنه إذا قيل لهم تفسحوا في المجلس بمعنى اتسعوا فيها، يقال: تفسح تفسحا وله في هذا الامر فسحة أي متسع. والتفسح الاتساع في المكان، وفسح له في المجلس يفسح فسحا. ومكان فسيح وفسح. والتفسيح والتوسع واحد. قال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وآله فقيل لهم تفسحوا وقال ابن عباس: أراد به مجلس القتال " فافسحوا " أي وسعوا " يفسح الله لكم " أي يوسع عليكم منازلكم في الجنة " وإذا قيل انشزوا فانشزوا " أي إذا قيل لكم ارتفعوا في المجلس فارتفعوا، والنشوز الارتفاع عن الشئ بالذهاب عنه. ومنه نشوز المرأة عن زوجها، يقال: نشز ينشز نشوزا ونشزا. قال قتادة ومجاهد والضحاك: معناه إذا قيل قوموا إلى صلاة أو قتال عدو أو أمر بمعروف أي تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقوموا. وقوله " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " معناه متى ما فعلتم ما أمرتم به رفع الله الذين آمنوا منكم، ورفع الذين أوتوا العلم درجات، لأنهم أحق بالرفعة. وفى ذلك دلالة على أن فعل العالم أكثر ثوابا من فعل من ليس بعالم " والله بما تعملون " من التفسح والنشوز وغير ذلك (خبير) أي عالم. ثم خاطبهم أيضا فقال (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول) أي شاورتموه (فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) قال الزجاج: كان سبب نزول الآية ان الأغنياء كانوا يستخلون النبي صلى الله عليه وآله فيشاورونه بما يريدون، والفقراء لا يتمكنون من النبي تمكنهم، ففرض الله عليهم الصدقة قبل النجوى ليمتنعوا من ذلك، وتعبدهم بأن لا يناجي أحد رسول الله إلا بعد ان يتصدق بشئ ما قل أو كثر، فلم يفعل أحد ذلك على ما روي، فاستقرض أمير المؤمنين علي عليه السلام دينارا وتصدق به، ثم ناجى النبي صلى الله عليه وآله، فنسخ الله تعالى ذلك الحكم بالآية التي بعدها. وقوله (ذلك خير لكم وأطهر) أي ذلك التصديق بين يدي النبي صلى الله عليه وآله خير لكم وأطهر ومعناه إن فعل ذلك ادعى إلى مجانبة المعاصي من تركه. ثم قال قل لهم (فإن لم تجدوا) يعني ما تتصدقون به (فان الله غفور رحيم) يستر عليكم ترك ذلك ويرحمكم وينعم عليكم. ثم قال ناسخا لهذا الحكم (أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) وظاهر هذا الكلام توبيخ على ترك الصدقة، وانهم تركوا ذلك اشفاقا وخوفا على نقصان المال، فقال (فإذ لم تفعلوا) ذلك (وتاب الله عليكم) في تقصيركم في فعل الصدقة (فأقيموا الصلاة التي أوجبها الله عليكم) وأديموا فعلها وأدوا شروطها (وآتوا الزكاة) التي افترضها عليكم (وأطيعوا الله ورسوله) فيما أمركم به ونهاكم عنه (والله خبير بما تعملون) أي عالم بما تعملونه من طاعة لله أو معصية وحسن وقبيح، فيجازيكم بحسبه. ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله (ألم تر) يا محمد (إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم) والمراد به قوم من المنافقين، كانوا يوالون اليهود ويغشون إليهم أسرارهم ويجتمعون معهم على ذكر مساءة النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين - وهو قول قتادة وابن زيد - ثم قال (ما هم منكم) أي ليسوا مؤمنين (ولا منهم) أي ولا هم يهود، فيكونوا منهم بل هم قوم منافقون. ثم قال (ويحلفون) يعني هؤلاء المنافقون (على الكذب) يعني يقولون إنا معكم ونحن نتوب، وليسوا كذلك (وهم يعلمون) انه كذلك. ثم بين تعالى ما لهم من العقاب فقال (أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون) أي لأنهم كانوا يعملون المعاصي والقبائح.