الآيات 16-20

قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ، لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ، اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ، إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ﴾

خمس آيات عراقي وشامي، والمدني الأول، وأربع آيات وبعض آية مكي والمدني الآخر، عد العراقي والشامي والمدني الأول " في الأذلين " ولم يعده الباقون. لما ذكر الله تعالى المنافقين بأنهم تولوا قوما من اليهود الذين غضب الله عليهم وذكر ما أعده لهم من العقاب، وذكر انهم يحلفون على الكذب مع علمهم بأنهم كاذبون قال إنهم (اتخذوا أيمانهم) التي يحلفون بها (جنة) أي سترة وترسايد يدفعون بها عن نفوسهم التهمة والظنة إذا ظهرت منهم الريبة. والاتخاذ جعل الشئ عدة، كما يقال: اتخذ سلاحا، واتخذ كراعا ورجالا واتخذ دارا لنفسه إذا اعدهما لنفسه، فهؤلاء جعلوا الايمان عدة ليدفعوا بها عن نفوسهم الظنة. والجنة السترة وأصله التستر ومنه الجنة لاستتارهم عن العيون، والجنة لاستتارها بالشجر، والمجن الترس لستره صاحبه عن أن يناله السلاح. وقوله (فصدوا عن سبيل الله) أي صدوا نفوسهم وغيرهم عن سبيل الله التي هي الحق والهدى. وقيل: فصدوا عن سبيل الله من قبلهم بكفرهم. ثم بين تعالى مالهم على ذلك فقال (فلهم عذاب مهين) يهينهم ويذلهم والإهانة الاحتقار يقال: أهانه يهينه إهانة، ومثله أذله يذله إذلالا وأخزاه يخزيه إخزاء، ونقيضه الاكرام، ثم قال (لن تغني عنهم أموالهم) التي جمعوها (ولا أولادهم) الذين خلفوهم (من الله شيئا) يدفع عقابه عنهم، أغنى يغني عنى إذا دفع عنه دفعا يستغنى عنه. ثم قال (أولئك) مع هذا كله (أصحاب النار) أي الملازمون لها (وهم فيها خالدون) مؤبدون لا يخرجون عنها (يوم يبعثهم الله جميعا) و (يوم) يتعلق ب? (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا.. يوم يبعثهم الله جميعا) يعنى يوم القيامة (فيحلفون له) أي يقسمون لله (كما يحلفون لكم) في الدنيا بأنهم كانوا مؤمنين في الدنيا في اعتقادهم وظنهم، لأنهم كانوا يعتقدون أن ما هم عليه هو الحق (ويحسبون انهم على شئ) معناه يظنون أنهم على شئ في هذه الايمان. فقال الله تعالى (ألا انهم هم الكاذبون) فيما يذكرونه من الايمان والمعنى إنهم لم يكونوا مؤمنين على الحقيقة، وإنما كان اعتقادهم اعتقاد جهل. وقيل: معناه انهم (هم الكاذبون) في الدنيا. وقيل: معناه ألا إنهم هم الخائبون، يقال كذب ظنه إذا خاب أمله. وقال قوم (ويحسبون انهم على شئ) يعنى في دار الدنيا، ولا يحسبون ذلك في الآخرة لأنهم يعلمون الحق اضطرارا، وهم ملجئون إلى الأفعال الحسنة وترك القبيح. قال الرماني: وهذا غلط، لأنه مخالف لظاهر القرآن بغير دليل، قال والصواب ما قال الحسن في أن الآخرة مواطن يمكنون في بعضها من فعل القبيح، ولا يمكنون في بعض، ويكون كذبهم ككذب الصبي الدهش الذي يلحقهم. وقال قوم: ان قوله (ألا انهم هم الكاذبون) اخبار عن حالهم في الدنيا بأنهم كاذبون في الدنيا في قولهم: انا مؤمنون، وهم منافقون، لان الكذب لا يجوز ان يقع منهم في الآخرة على وجه. ثم قال تعالى " ان الذين يحادون الله ورسوله " أي يخالفونه في حدوده. وقال مجاهد: معناه يشاقون الله ورسوله بأن يحصلوا في حد آخر عادلين عن حدود الله. وقوله " أولئك في الأذلين " اخبار منه تعالى ان الذين يحادونه ويحادون رسوله أولئك في الأحقرين المهانين عند الله. وقال الزجاج: معناه في المغلوبين. وقوله " استحوذ عليهم الشيطان " معناه استولى عليهم، فالاستحواذ الاستيلاء على الشئ بالاقتطاع. واصله من حاذه حوذا مثل جازه يجوزه جوزا " فأنساهم ذكر الله " حتى لا يذكرون الله، ولا يخافونه ثم قال " أولئك " يعنى الذين " استحوذ عليهم الشيطان " جنود الشيطان وحزبه. ثم قال " ألا ان حزب الشيطان هم الخاسرون " لأنهم يخسرون الجنة ويحصل لهم بدلها النار وذلك هو الخسران المبين