الآيات 6-10

قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾

القراءة:

قرأ حمزة وحده " ويتنجون " بغير الف. الباقون " يتناجون " بألف. وقرأ أبو جعفر (ما يكون) بالياء. الباقون بالتاء، لان تأنيث نجوى ليس بحقيقي لما قال الله تعالى ان الكافرين لحدود الله لهم عذاب مهين، بين متى يكون ذلك، فقال (يوم يبعثهم الله جميعا) أي يحشرهم إلى ارض المحشر ويعيدهم احياء (فينبئهم أي يخبرهم ويعلمهم (بما عملوا) في دار الدنيا من المعاصي وارتكاب القبائح، ثم قال (أحصاه الله ونسوه) أي أحصاه الله عليهم وأثبته في كتاب اعمالهم ونسوه هم (والله على كل شئ شهيد) ومعناه انه يعلم الأشياء كلها من جميع وجوهها لا يخفى عليه شئ من ذلك وإن كان كثيرا من الأشياء لا يصح مشاهدتها ولا إدراكها، ومنه قوله (شهد الله انه لا إله إلا هو) (1) أي علم ذلك. ثم بين فقال (ألم تر) ومعناه ألم تعلم، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين (ان الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض) من الموجودات لا يخفى عليه شئ منها، لأنه عالم لنفسه يجب أن يكون عالما بما يصح أن يكون معلوما. وقيل التقدير ألم تر ان الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض مما ترى من تدبيرهما من مسير الشمس والقمر ومجيئ الحر والبرد والزرع والثمار وسائر صنوف الأشجار على ما تقتضي الحكمة عالما دبر ذلك وجعل كل شئ منه في وقته ولما يصلح له، وذلك يقتضي انه عالم بكل نجوى، لأنه عالم لنفسه لا بحدوث علم. وإذا ثبت انه عالم لنفسه وجب أن يكون عالما بكل معلوم. وقوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) والمعنى انه عالم بأحوالهم وجميع متصرفاتهم فرادى وعند الاجتماع، لا يخفى عليه شئ منها، فكأنما هو معهم مشاهد لهم. وعلى هذا يقال: إن الله تعالى مع الانسان حيث ما كان، لأنه عالم لا يخفى عليه شئ من أمره حتى أنه ظاهر له أتم الظهور لمن شاهده ممن هو معه في المكان، وحسن هذا لما فيه من البيان، فأما أن يكون معهم على طريق المجاورة فمحال، لان ذلك من صفات الأجسام، والله تعالى ليس بجسم. ويقولون: فلان رابع أربعة إذا كان أحد أربعة ورابع ثلاثة إذا جعل ثلاثة أربعة بكونه معهم. ويجوز على هذا ان يقال: رابع ثلاثة ولا يجوز رابع أربعة، لأنه ليس فيه معنى الفعل. ويجوز في (ثلاثة) الجر بإضافة النجوى إليها، ويجوز بأنها صفة النجوى. ويجوز النصب بأنها خبر (يكون). وقوله (ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة) معناه يعلمهم بما عملوه من المعاصي في الدنيا والاعمال، ويخبرهم بها، لان الله بكل شئ عليم، لا يخفى عليه خافية. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله والمراد به جميع الأمة (ألم تر) بمعنى ألم تعلم (إلى الذين نهوا عن النجوى) قال مجاهد: كان النبي صلى الله عليه وآله نهى اليهود عن النجوى بينهم لأنهم كانوا لا يتناجون إلا بما يسواء المؤمنين. وقال الفراء: نزلت في المنافقين واليهود، ونهوا أن يتناجوا إذا اجتمعوا مع المسلمين في موضع واحد. والنجوى هي الاسرار، والنجوة الارتفاع من الأرض، وهو الأصل، ومنه النجا الارتفاع في السير، والنجاة الارتفاع من البلاء. وقوله (ثم يعودون لما نهوا عنه) معناه يعودون فيتناجون ويخالفون نهي النبي صلى الله عليه وآله (ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول) والتناجي والمناجاة تكون بين اثنين فصاعدا، ويقال: انتجوا بمعنى تناجوا، كما يقال اختصموا وتخاصموا وكذلك انتجوا وتناجوا بمعنى. وحجة حمزة قول النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام (ما انا انتجيته، ولكن الله انتجاه) وحجة الباقين قوله (إذا تناجيتم) وكلاهما حسان. قال قتادة: كان المنافقون يتناجون بينهم فيغيظ ذلك المؤمنين. وقال ابن زيد: كانوا يوهمون انه قد حدثت بلية على المسلمين من حرب أو نحوهن، فأخبر الله عنهم انهم كانوا يتناجون بالاثم يعني بالمعاصي. والعدوان التعدي إلى غير الواجب وبمعصية الرسول أي ما يعصون به الرسول النبي صلى الله عليه وآله. وقوله (وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله) قال قتادة ومجاهد - وهو المروي عن عائشة - انه كانت تحيتهم السام عليكم يا با القاسم. وقال ابن عباس: كان المنافقون يقولون ذلك. وقيل: كان النبي صلى الله عليه وآله يرده على من قال ذلك، فيقول: وعليك، وقال ابن زيد: السام الموت. وقال الحسن: كانت اليهود تقول: السام عليكم أي انكم ستسأمون دينكم هذا أي تملونه فتدعونه. ومن هذا سئمت الامر اسأمه سأما وسأما. ومن قال: السام الموت فهو سام الحياة بذهابها. وقوله (ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول) قال كانوا يقولون: إن كان نبيا صادقا هلا يعذبنا الله بما نقول من النجوى وغيره. فقال الله تعالى لهم (حسبهم جهنم) أي كافيهم جهنم (يصلونها) يوم القيامة ويحترقون فيها (وبئس المصير) أي بئس المرجع والمال لما فيها من أنواع العقاب. ثم امر المؤمنين فقال (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم) أنتم فيما بينكم أي تشاورتم (فلا تتناجوا بالاثم) يعني بالمعاصي ولا ب? (العدوان) ولا ب? (معصية الرسول) ومخالفته (وتناجوا بالبر والتقوى) أي بافعال الخير والخوف من عذاب الله. ثم قال (واتقوا الله) باجتناب معاصيه (الذي إليه تحشرون) يعني يوم القيامة. ثم قال (إنما النجوى من الشيطان) يعني نجوى المنافقين والكفار بما يسوء المؤمنين ويغمهم (من الشيطان) أي بدعاء الشيطان واغوائه يفعل ذلك (ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله) معناه إلا بعلم الله وتمكينه إياهم لان تكليفهم إيمانهم بذلك، وقيل معناه إلا بفعل الله الغم والحزن في قلوبهم لان الشيطان لا يقدر على فعل ذلك. ثم قال تعالى (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) أي يجب على المؤمنين ان يتوكلوا في جميع أمورهم عليه تعالى دون غيره.


1- سورة 3 آل عمران آية 18.