الآيات 37-39

قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا، ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع " سئ " منونا غير مضاف. الباقون على الإضافة فمن قرأ على الإضافة قال: لأنه قد تقدم ذكر حسن وسئ في قوله " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " فخص من ذلك السئ بأنه مكروه عند الله، لأنه تعالى لا يكره الحسن، وقووا ذلك بقراءة أبي " كان سيئاته " بالجمع مضافا. وقال آخرون إنما أراد بذلك المنهي عنه فقط، وقالوا: ليس فيما نهى الله تعالى عنه حسن بل جميعه مكروه، " وكل " وإن كان لفظه لفظ الواحد فمعناه معنى الجميع، فلذلك قال كان بلفظ الواحد. ومثله قوله " وكل أتوه داخرين " (1) وقال " ان كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا " (2) و (مكروها) على هذه القراءة نصب على الحال من الضمير في " عند ربك " أو يكون بدلا من قوله " سيئه ". وفي ذلك دلالة على بطلان مذهب المجبرة من أن الله تعالى يريد المعاصي، لأن هذه الآية صريحة بأن السئ من الافعال مكروه عند الله. وقوله " ولا تمش في الأرض مرحا " نهي للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الأمة أن يمشوا في الأرض مرحين. وقيل في معنى المرح أربعة أقوال:

أولها: انه البطر والأشر.

الثاني: التبختر في المشي والتكبر.

الثالث: تجاوز الانسان قدره مستخفا بالواجب عليه.

والرابع: شدة الفرح بالباطل. وقول " انك لن تخرق الأرض " مثل ضربه الله بأنك يا إنسان لن تخرق الأرض من تحت قدمك بكبرك " ولن تبلغ الجبال " بتطاولك. والمعنى انك لن تبلغ بما تريد كثير مبلغ، كما لا يمكنك ان تبلغ هذا، فما وجه المكابرة على ما هذه سبيله مع زجر الحكمة عنه. وأصل الخرق القطع، خرق الثوب تخريقا أي قطعة ورجل خرق أي يقطع الأمور التي لا ينبغي ان يقطعها. والخرق الفلاة، لانقطاع أطرافها بتباعدها قال رؤبة:

وقائم الاعماق خاو المخترق * مشتبه الاعلام لماع الخفق (3)

أي خاو المنقطع، والمرح شدة الفرح، مرح يمرح مرحا، فهو مرح. وقال قتادة: مرحا خيلاء وكبرا. وقوله " ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة " أي ذلك الذي ذكرناه وقصصناه من جملة ما أوحى إليك يا محمد ربك من الحكمة أي الدلائل التي تؤدي إلي المعرفة بالحسن والقبيح، والفرق بينهما، والواجب مما لا يجب، وذلك كله مبين في القرآن، فهو الحكمة البالغة. ثم نهاه ان يتخذ مع الله معبودا آخر يشركه في العبادة مع الله، فإنك متى فعلت ذلك ألقيت في " جهنم ملوما " أي مذموما " مدحورا " مطرودا - في قول ابن عباس.


1- سورة 19 مريم آية 94.

2- ديوانه 108 وقد مر قسم من هذا الرجز في 1: 296 وفي 4: 297.

3- سورة 21 الأنبياء اية 22.