الآيات 52-54

قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً، وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا، رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾

" يوم " يتعلق بقوله " قل عسى أن يكون " بعثكم أيها المشركون " قريبا يوم يدعوكم " وقيل في معني قوله " يوم يدعوكم " قولان:

أحدهما: انهم ينادون بالخروج إلى ارض المحشر بكلام تسمعه جميع العباد، وذلك يكون بعد ان يحييهم الله، لأنه لا يحسن ان ينادى المعدوم ولا الجماد.

الثاني: انهم يسمعون صيحة عظيمة، فتكون تلك داعية لهم إلى الاجتماع إلى ارض القيامة، ويجوز أن يكون ذلك عبارة عن البعث ويكون اجرى صرخة ثانية بسرعة فأجرى مجرى، دعي فأجاب في الحال " فيستجيبون بحمده " قيل في معناه قولان:

أحدهما: تستجيبون حامدين، كما يقول القائل: جاء فلان بغضبه اي جاء غضبان.

الثاني: تستجيبون على ما يقتضيه الحمد لله (عز وجل)، وقيل: معناه يستجيبون معترفين بأن الحمد لله على نعمه، لا ينكرونه، لان معارفهم هناك ضرورة قال الشاعر:

فإني بحمد الله لا ثوب فاجر * لبست ولا من غدرة اتقنع (1)

والاستجابة موافقة الداعي فيما دعا إليه بفعله من اجل دعائه، وهي والإجابة واحدة إلا أن الاستجابة تقتضي طلب الموافقة بالإرادة بأوكد من الإجابة. وقوله " وتظنون إن لبثتم إلا قليلا " قيل في معناه قولان:

أحدهما: انهم لما يرون من سرعة الرجوع يظنون قلة اللبث.

الثاني: انه يراد بذلك تقريب الوقت، كما حكي عن الحسن أنه قال: كأنك بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل. وقال قتادة: المعنى احتقارا من الدنيا حين عاينوا يوم القيامة. وقال الحسن ان " لبثتم إلا قليلا " في الدنيا لطول لبثكم في الآخرة. وقوله " وقل لعبادي يقول التي هي أحسن " قال الحسن: معناه " قل " يا محمد " لعبادي " يأمروا بما امر الله به، وينهوا عما نهى عنه. وقال الحسن: معناه قل لعبادي يقل بعضهم لبعض أحسن ما يقال، مثل رحمك الله ويغفر الله لك. ثم أخبر تعالى فقال " إن الشيطان ينزع بينهم " اي يفسد بينهم ويلقي بينهم العداوة والبغضاء. وقال " إن الشيطان كان " في جميع الأوقات عدوا مباينا " للانسان " آدم وذريته. وقوله " وربكم أعلم بكم " معناه التحذير لعباده من إضمار القبيح، والترغيب في الجميل، لأنه عالم به يقدر أن يجازي على كل واحد منه بما هو حقه " إن يشأ يرحمكم " بالتوبة " وإن يشأ يعذبكم " بالإقامة على المعصية. وقوله " وما أرسلناك عليهم وكيلا " معناه إنا ما وكلناك بمنعهم من الكفر بل أرسلناك داعيا لهم إلى الايمان وزاجرا عن الكفر، فإن أجابوك، وإلا، فلا شئ عليك واللائمة والعقوبة يحلان بهم.


1- ديوان 19 ومجاز القرآن 1: 383 وتفسير الطبري 15: 99 واللسان والتاج (نتر).