الآيات 49-51

قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا، قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾

حكى الله تعالى عن هؤلاء الكفار الذين أنكروا البعث، والنشور، والثواب والعقاب: أنهم يقولون " أإذا كنا عظاما " أي إذا متنا وانتثرت لحومنا وبقينا " عظاما ورفاتا " قال مجاهد: الرفات التراب. وبه قال الفراء وقال: لا واحد له من لفظه، وهو بمنزلة الدقاق، والحطام، قال المبرد: كل شئ مدقوق مبالغ في دقه حتى انسحق، فهو رفات، يقال: رفت رفتا، فهو مرفوت إذا صير كالحطام. و (إذا) في موضع نصب بفعل يدل عليه " لمبعوثون " وتقديره أنبعث " إذا كنا عظاما. ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا " وصورته صورة الاستفهام وإنما هم منكرون لذلك متعجبون منه وكل ما تحطم وترضض يجئ أكثره على (فعال) مثل (حطام، ورضاض ودقاق وغبار وتراب)) والخلق الجديد: هو المجدد أي يبعثهم الله أحياء بعد أن كانوا أمواتا، أنكروا ذلك وتعجبوا منه، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم " قل " لهم " كونوا حجارة أو حديدا " أي لم كنتم حجارة أو حديدا بعد موتكم لأحياكم وحشركم ولم تفوتوا الله، إلا أنه خرج مخرج الامر، لأنه أبلغ في الالزام، كأن أكثر ما يكون منهم مطلوب حتى يروا أنه هين حقير " أو خلقا مما يكبر في صدوركم " فقيل في معناه ثلاثة أقوال: قال مجاهد: السماوات والأرض والجبال. وقال قتادة: أي شئ استعظموه من الخلق. وقال ابن عباس. وسعيد بن جبير والفراء: انه الموت. قال الفراء قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أرأيت لو كنا الموت من كان يميتنا ؟! فأنزل الله " أو خلقا مما يكبر في صدوركم " يعني الموت نفسه اي ليبعث الله عليكم من يميتكم ثم يحييكم. " فسيقولون من يعيدنا " اخبار منه حكاية عن هؤلاء الكفار انهم يقولون من يعيدنا احياء؟فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم " قل الذي فطركم أول مرة " اي الذي خلقكم ابتداء يقدر على إعادتكم، لان ابتداء الشئ أصعب من إعادته، كما قال " وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " (1) وقال لما قالوا " من يحيي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " (2) وإنما قال لهم ذلك، لأنهم كانوا يقرون بالنشأة الأولى. وقوله " فسينغضون إليك رؤوسهم " معناه انهم إذا سمعوا لهذا حركوا رؤوسهم مستبعدين لذلك. وقال ابن عباس يحركون رؤوسهم مستهزئين، يقال: أنغضت رأسي أنغضه إنغاضا، ونغض برأسه ينغض نغضا إذا حركه والنغض تحريك الرأس بارتفاع وانخفاض. ومنه قيل للظليم نغض، لأنه يحرك رأسه في مشيه بارتفاع وانخفاض قال العجاج: اصك نغضا لا يني مستهدجا (3) ونغضت سنه إذا تحركت من أصلها قال الراجز: ونغضت من هرم أسنانها (4) وقال آخر: لما رأتني أنغضت لي الرأسا (5) " ويقولون " هؤلاء الكفار " متى هو " يعنون بعثهم وإعادتهم أحياء فقال الله تعالى " قل " لهم يا محمد " عسى أن يكون قريبا " وعسى من الله واجبة، وكل ما هو آت قريب، ومن كلام الحسن أنه قال: كأنك بالدنيا لم تكن وكأنك بالآخرة لم تزل.


1- سورة 36 يس آية 79.

2- تفسير الطبري 15: 65 وتفسير الشوكاني 3: 226.

3- تفسير الطبري 15 / 65 وتفسير الشوكاني 3: 226 وتفسير القرطبي 10: 274 ومجاز القرآن 1: 382.

4- مجاز القرآن 1: 382 وتفسير الطبري 1: 655 والشوكاني 3: 226.

5- تفسير القرطبي 10: 266 وتفسير الشوكاني 3: 226 وتفسير روح المعاني 15: 93.