الآيات 28-30
قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا، وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا، إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾
يقول الله تعالى " وإما تعرضن " وتقديره، وإن تعرض و (ما) زايدة. والمعنى: ومتى ما صرفت وجهك عنهم، يعني عن الذين أمروا بإعطائهم حقوقهم ممن تقدم ذكره، لأنه قد تعرض عند عوز ما طلبوه، ليبتغي الفضل من الله، والسعة التي يمكنه معها البذل، والتقدير وإذا أتتك قرابتك أو سواهم من المحتاجين يسألونك فأعرضت عنهم لأنه لا شئ عندك، فقل لهم قولا حسنا، اي عدهم عدة جميلة. والاعراض صرف الوجه عن الشئ، وقد يكون عن قلى وقد يكون للاشتغال بما هو الأولى، وقد يكون لاذلال الجاهل مع صرف الوجه عنه، كما قال " واعرض عن الجاهلين " (1) وقوله " ابتغاء رحمة من ربك ترجوها " والابتغاء الطلب. وقوله " ترجوها معناه تأملها، والرجاء تعلق النفس بطلب الخير ممن يجوز منه، ومن يقدر على كل خير وصرف كل شر، فهو أحق بأن يرجا، ولذلك قال أمير المؤمنين (ع) (ألا لا يرجون أحدكم إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه). وقوله: " وقل لهم قولا ميسورا " المعنى إذا أعرضت ابتغاء رزق من ربك، فقل لهم قولا لينا سهلا، مثل: زقنا الله تعالى، وهو قول الحسن ومجاهد وإبراهيم وغيرهم. وقال ابن زيد: تعرض عنهم إذا خشيت أن ينفقوا بالعطية على معاصي الله، فيكون تبتغي رحمة من الله لهم بالتوبة، وأصل التيسير التسهيل، واليسر خلاف العسر، وقد يكون التيسير بالتقليل، فيسهل عليه لقلته، ويكون بمنزلة المعونة على عمله. ثم قال تعالى " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك " أي لا تكن ممن لا يعطي شيئا ولا يهب، فتكون بمنزلة من يده مغلولة إلى عنقه، لا يقدر على الاعطاء وذلك مبالغة في النهي عن الشح والامساك " ولا تبسطها كل البسط " أي ولا تعط أيضا جميع ما عندك، فتكون بمنزلة من بسط يده حتى لا يستقر فيها شئ وذلك كناية عن الاسراف. وقوله " فتقعد ملوما محسورا " معناه إن أمسكت قعدت ملوما عند العقلاء مذموما، وإن أسرفت بقيت محسورا، أي مغموما متحسرا، وأصل الحسر الكشف من قولهم، حسر عن ذراعيه يحسر حسرا، إذا كشف عنهما. والحسرة الغم لانحسار ما فات، ودابة حسير إذا كلت لشدة السير، لانحسار قوتها بالكلال. وكذلك قوله " ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير " (2) والمحسور المنقطع به لذهاب ما في يده، وانحساره انقطاعه عنه، قال الهذلي:
إن العسير بها داء مخامرها * فشطرها نظر العينين محسور (3)
ثم قال " إن ربك " يا محمد " يبسط الرزق لمن يشاء " فيوسعه عليه على حسب ما يعلم له من المصلحة فيه " ويقدر " أي يضيق عليه لعلمه بما فيه من الصلاح، كما قال " ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض (4) " وقوله " انه كان بعباده خبيرا بصيرا " أي وهو عالم بأحوالهم، لا يخفى عليه ما يصلحهم، وما يفسدهم، فيفعل معهم بحسب ذلك.
1- سورة 67 الملك (تبارك) اية 4.
2- الشاعر هو قيس بن خويلد الهذلي، الكامل 109، 410 واللسان والتاج (حسن) (شطر) ومجاز القرآن 1: 375.
3- سورة 42 الشورى اية 27.
4- تفسير القرطبي 10: 253 واللسان " خطئ " وعجزه: واخر يوم فلم اعجل.