الآيات 25-27

قوله تعالى: ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا، وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾

يقول الله تعالى مخاطبا للمكلفين من عباده إنه أعلم بهم، ومعناه إن معلوماته أكثر من معلوماتكم، وقد يقال: أعلم بمعنى أثبت فيما به يعلم، فيجئ من هذا إن الله تعالى أعلم بأن الجسم حادث من الانسان العالم به. وكذلك كل شئ يمكن ان يعلم على وجوه متغايرة، فالله تعالى عالم به على تلك الوجوه وإن خفي على الواحد منا بعضها. ومعنى " بما في نفوسكم " اي بما تضمرونه وتخفونه عن غيركم، فالله أعلم به منكم، وفي ذلك غاية التهديد. ثم قال " ان تكونوا صالحين " اي تفعلون الافعال الصالحة الحسنة الجميلة، فان الله " كان للأوابين غفورا " معنى " الأوابين " التوابين وهم الذين يتوبون مرة بعد مرة - في قول سعيد بن المسيب - كلما أذنب ذنبا بادر بالتوبة. وقال سعيد بن جبير، ومجاهد: الأواب هو الراجع عن ذنبه بالتوبة. وأصله الرجوع يقال: آب يؤوب أوبا إذا رجع من سفره، قال عبيد بن الأبرص:

وكل ذي غيبة يؤب * وغائب الموت لا يؤب (1)

ثم قال " وآت ذا القربى حقه " وهو أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ان يعطي ذوي القربى حقوقهم النبي جعلها الله لهم، فروي عن ابن عباس والحسن: انهم قرابة الانسان. وقال علي بن الحسين (ع): هم قرابة الرسول، وهو الذي رواه أيضا أصحابنا. وروي انه لما نزلت هذه الآية استدعى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة (ع) وأعطاها فدكا وسلمه إليها، وكان وكلاؤها فيها طول حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مضى النبي صلى الله عليه وسلم. أخذها أبو بكر، ودفعها عن النحلة. والقصة في ذلك مشهورة، فلما لم يقبل بينتها، ولا قبل دعواها طالبت بالميراث، لان من له الحق إذا منع منه من وجه جاز له ان يتوصل إليه بوجه آخر، فقال لها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) فمنعها الميراث أيضا وكلامهما في ذلك مشهور، لا نطول بذكره الكتاب. وقوله " والمسكين وابن السبيل " أي وأعطوا هؤلاء أيضا حقوقهم التي جعلها الله لهم من الزكوات وغير ذلك. ثم نهاهم عن التبذير بقوله " ولا تبذر تبذيرا " والتبذير التفريق بالاسراف. وقال عبد الله: التبذير إنفاق المال في غير حقه، وهو قول ابن عباس وقتادة. وقال مجاهد لو انفق مدا في باطل كان تبذيرا. ثم قال " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " وقيل في معناه قولان:

أحدهما: إن الشيطان أخوهم باتباعهم آثاره وجريهم على سنته.

الثاني: انهم يقرنون بالشيطان في النار. ثم أخبر عن حال الشيطان بأنه كفور لنعم الله تعالى وجاحد لآلائه.


1- سورة 7 الأعراف اية 199.