الآيات 11-12
قوله تعالى: ﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾
المعنى:
قيل في معنى قوله " ويدع الانسان " قولان:
أحدهما: ما ذكره ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد انه يدعو علي نفسه وولده عند غضبه، فيقول: اللهم العنة واغضب عليه وما أشبهه، فيمنعه الله، ولو أعطاه لشق عليه.
الثاني: قال قوم: انه يطلب ما هو شر له لتعجيل لانتفاع به مثل دعائه بما هو خير له، ويقوي ذلك قوله " وكان الانسان عجولا " ومعنى قوله " وكان الانسان عجولا " قال مجاهد: لأنه يجعل بالدعاء بما لا يجوز. وقال ابن عباس: على طبع آدم لما نفخ فيه الروح فبلغت إلى رجليه، قبل ان تجري فيهما، رام النهوض. العجلة طلب الشئ قبل وقته الذي لا يجوز تقديمه عليه أوليس بأولى فيه والسرعة عمل الشئ في أول وقته الذي هو أولى به. ثم أخبر أنه تعالى جعل " الليل والنهار آيتين " يريد الشمس والقمر في هذا الموضع - عند قوم - وقال الجبائي: هما الليل والنهار، وهو الظاهر، وهما دليلان على توحيد الله، لان أحدا لا يقدر على الاتيان بالنهار، ولا على اذهابه والاتيان بالليل، وإنما يقدر عليه القادر لنفسه الذي لا يتعذر عليه شئ. ثم اخبر انه جعل احدى الآيتين ممحوة وهي الليل اي لا تبصر فيها المرئيات كما لا يبصر ما يمحى من الكتاب، وهو من البلاغة العظيمة. وقال ابن عباس: محو آية الليل السواد الذي في القمر، وروي عن علي (ع) أنه اللطخة التي في القمر. وقوله " وجعلنا آية النهار مبصرة " قيل في معناه قولان:
أحدهما: مضيئه للابصار.
الثاني: جعلنا أهله بصرا، فيه كما يقال: رجل مخبث أي أهله خبثاء ورجل مضعف أي أهله ضعفاء، فكذلك النهار مبصرا أي أصحابه بصراء. ثم بين الغرض بذلك، وإنما جعله كذلك " لتبتغوا فضلا " أي تطلبوا فضلا من ربكم " ولتعلموا عدد السنين والحساب " في مواقيتكم ومعاملاتكم ومعرفة سنينكم وغير ذلك، فيكثر بذلك انتفاعكم " وكل شئ فصلناه تفصيلا " أي ميزنا كل شئ، تمييزا ظاهرا بينا لا يلتبس، وبيناه بيانا لا يخفى.