الآيات 8-10
قوله تعالى: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا، وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾
يقول الله تعالى مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وسلم: بأن قل لبني إسرائيل " عسى ربكم أن يرحمكم " إن أقمتم على طاعته وترك معاصيه (وعسى) من الله واجبة، ويجوز أن يكون بمعنى الابهام على المخاطب. وقوله " وإن عدتم " يعني في معاصي الله، والكفر به وجحد أنبيائه " عدنا " في عذابكم، والتسليط عليكم، كما فعلناه أول مرة، وقال ابن عباس وقتادة: عادوا فبعث الله عليهم المسلمين يذلونهم بالجزية والمحاربة إلى يوم القيامة. قوله " وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " قال ابن عباس ومجاهد وابن زيد وقتادة: محبسا، والحصير الحبس، ويقال للملك حصير، لأنه محجوب، قال لبيد:
وقماقم غلب الرقاب كأنهم * جن لدى باب الحصير قيام (1)
وقال الحسن: يعني مهادا، كما قال " لهم من جهنم مهاد " (2) والحصير البساط المرمول، يحصر بعضه على بعض بذلك الضرب من النسج، ويقال للجنبين: الحصيران، لحصرهما ما أحاطا به من الجوف وما فيه. وفيه لان بعض أضلاعه حصر مع بعض، يسمى البساط الصغير حصيرا، وحصير بمعنى محصور، كرضي بمعنى مرضي. ثم أخبر تعالى أن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم " يهدي " اي يدل " للتي هي أقوم " قال الفراء: لشهادة أن لا إله إلا الله. ويحتمل أن يكون المراد يهدي لجميع سبل الدين، التي هي أصوب من غيرها: من توحيد الله، وعدله، وصدق أنبيائه، والعمل بشريعته، وفعل طاعاته، وتجنب معاصيه " ويبسر؟المؤمنين " يعني القرآن يبشرهم " بأن لهم أجرا كبيرا " وثوابا عظيما، على طاعاتهم، يبشرهم أيضا ب? " أن الذين لا يؤمنون بالآخرة " ويجحدون البعث والنشور أعد الله لهم " عذابا أليما " يعني مؤلما موجعا، " واعتدنا " أصله أعددنا فقلبت إحدى الدالين تاء، فرارا من التضعيف إلى حرف من مخرج الدال، وتكون البشارة قد أوقعت على أن لهم الجنة، وأن لعدوهم النار، فلذلك نصب (أن) في الموضعين. ويحتمل أن يكون نصب (أن) الثانية على حذف اللام، والتقدير، لان الذين لا يؤمنون بالآخرة اعتدنا لهم عذابا أليما، ولو كسرت على الاستئناف جاز غير أنه لا يقرأ به أحد.
1- سورة 7 الأعراف آية 41.
2- سورة يس آية 39.