الآية 7

قوله تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا﴾

القراءة:

قرأ الكسائي " لنسو وجوهكم " بالنون وفتح الواو، كما يقال: لن ندعو، فعلامة النصب فتحة الواو وقرأ ابن عامر، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم بالياء على واحد " ليسوي " الباقون بالياء والمد، وعلامة النصب - ههنا - حذف النون، وإنما مدوا، لتمكين الهمزة، لان كل واو سكنت وانضم ما قبلها وثبتت بعدها همزة، فلابد من مد، في كلمة كانت أو كلمتين، نحو " قالوا آمنا " (1) وفي كلمة واحدة نحو " تبوء بإثمي " (2) " وتبوء بحمله " وفي قراءة أبي " ليسؤن وجوهكم " بنون خفيفة للتأكيد، كقوله " لنسفعا بالناصية " (3) قال أبو علي الفارسي: لما قال " لتفسدن في الأرض مرتين " وبين المرة الأولى قال " فإذا جاء وعد الآخرة " أي المرة الآخرة بعثناهم " ليسوءوا وجوهكم " فحذف (بعثناهم) لأنه تقدم ذكره، لأنه جواب (إذا)، وشرطها يقتضيه، فحذف للدلالة عليه فأما معنى " ليسؤوا " فقال أبو زيد: يقال: سؤته سأة وساءة ومساءة ومسائية وسوأية، وقال " وجوهكم " على أن الوجوه مفعولا ل? " يسؤوا " وعدي إلى الوجوه، لان الوجوه قد يراد بها ذوو الوجوه كقوله " وكل شئ هالك إلا وجهه " (4) وقال " وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة " (5) وقال " ووجوه يومئذ ناضرة " (6) وقال النابغة:

أقارع عوفا لا أحاول غيرها * وجوه قرود تبتغي من تجادع (7)

فكأن الوجوه إنما خصت بذلك، لأنها تدل على ما كان من تغير الوجوه من الناس، من حزن أو مسرة، وبشارة وكآبة. وحجة من قرأ بالياء والجمع انه أشبه بما قبله وما بعده، لان الذي جاء قبله " بعثا عليكم رجالا " وبعده " وليدخلوا المسجد " وهو بيت المقدس، والمبعوثون في الحقيقة هم الذين يسؤونهم لقتلهم إياهم وأسرهم لهم، فهو وفق المعنى. ومن قرأ بالياء والتوحيد، ففاعل " ليسوءوا " أحد شيئين:

أحدهما: أن يكون اسم الله، لان الذي تقدم " بعثنا " " ورددنا لكم " و " أمددناكم ".

الآخر: أن يكون البعث والوعد، ودل عليه " بعثنا " المتقدم كقوله " لا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم " (8) اي البخل. ومن قرأ بالنون كان المعنى كقول من قدر أن الفعل ما تقدم من اسم الله وجاز ان تنسب المساءة إلى الله، وإن كانت من الذين جاسوا خلال الديار في الحقيقة، لأنهم فعلوها بقدرة لاله وتمكينه، فجاز ان تنسب إليه، كما قال " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " (9) ويجوز أن يكون اللام في قوله " ليسؤوا " وليدخلوا " " وليتبروا " لام العاقبة، لان الله لا يريد منهم ذلك من حيث كان ذلك ظلما وفسادا. يقول الله تعالى لخلقه من المكلفين " إن أحسنتم " اي فعلتم الأفعال الحسنة من الانعام إلى الغير، والافعال الجميلة التي هي طاعة " أحسنتم لأنفسكم "، لان ثواب ذلك، واصل إليكم " وإن أسأتم " إلى الغير وظلمتموه " أسأتم " لأنفسكم لان وبال ذلك وعقابه واصل إليكم، وإنما قال " فلها " ليقابل قوله " أحسنتم لأنفسكم " والمعنى ان أسأتم فإليها، كما يقال: أحسن إلى نفسه ليقابل أساء إلى نفسه، على أن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض إذا تقاربت معانيها، قال تعالى " بأن ربك أوحى لها " (10) والمعنى أوحى إليها. ومعنى أنت في منتهى لإساءة، وأنت المختص بالإساءة، متقارب. " فإذا جاء وعد الآخرة " يعني وعد المرة الآخرة " ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد " يعني المبعوثين عليكم " كما دخلوه " في المرة الأولى يعنى غيرهم، لان هؤلاء بأعيانهم لم يدخلوها في الدفعة الأولى " وليتبتروا ما علوا تتبيرا " فالتبار والهلاك، والدمار واحد، وكل ما انكسر من الزجاج والحديد والذهب تبر. ومعنى " ما علوا تتبيرا " ما غلبوا عليه، وجواب (إذا) محذوف وتقديره: فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم. وقيل: بعثناهم ليسؤوا.


1- سورة 5 المائدة اية 3.

2- سورة 96 العلق اية 15.

3- سورة 28 القصص اية 88.

4- سورة 80 عبس اية 40.

5- سورة 75 القيامة اية 23.

6- ديوانه (دار بيروت) 80 واللسان (جدع).

7- سورة 3 آل عمران اية 180.

8- سورة 8 الأنفال اية 17.

9- سورة 99 الزلزال اية 5.

10- ديوانه 2 / 39 وتفسير القرطبي 10 / 224 ومجاز القرآن 1 / 371 وتفسير الطبري 15 /: 3 وسمط اللآلي 955 وروح المعاني 15 / 21 والصحاح، والتاج، واللسان (حصر).