الآيات 4-6

قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً، ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾

القضاء على أربعة أقسام: بمعنى الخلق والاحداث، كما قال " فقضاهن سبع سماوات " (1) وبمعنى فصل الحكم كقوله " والله يقضي بالحق (2) وبمعنى الامر كقوله " وقضى ربك أن تعبدوا إلا إياه " (3) وبمعنى الاخبار كقوله " وقضينا إلى بني إسرائيل " اي أخبرناهم وأعلمناهم بما يكون من الامر المذكور، من أنهم سيفسدون في الأرض مرتين، ويعلون علوا كبيرا، اي عظيما اي يتجبرون على عباد الله. قال ابن عباس وقتادة: المبعوث عليهم في المرة الأولى جالوت إلى أن قتله داود، وكان ملكهم طالوت. وقال سعيد ابن المسيب: هو بخت نصر، وقال سعيد بن جبير: هو سنحاريب وقال الحسن: هم العمالقة، وكانوا كفارا. والفساد الذي ذكره: هو قتلهم الناس ظلما وتغلبهم على أموالهم قهرا واخراب ديارهم بغيا. والآية تدل على أن قضاء الله بالمعاصي هو اخباره انها تكون. وقوله " فلما جاء وعد أولاهما " يعني وقت فناء آجالهم ووقت عقوباتهم. والوعد هو الموعود به - ههنا - ووضع المصدر موضع المفعول به. وقوله " بعثنا عليكم عبادا لنا اولي بأس شديد " قيل في معنى (بعثنا) قولان:

أحدهما: قال الحسن: انا خلينا بينهم وبينكم، خاذلين لكم، جزاء على كفركم، ومعاصيكم، كما قال: " ان أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا " (4).

الثاني: قال أبو علي: أمرناهم بقتالكم. وقوله " فجاسوا خلال الديار " اي ترددوا وتخللوا بين الدور، يقال: جست أجوس جوسا وجوسانا، قال حسان:

ومنا الذي لاقى بسيف محمد * فجاس به الاعداء عرض العساكر (5)

معناه تخللهم قتلا بسيفه، وقيل: الجوس طلب الشئ باستقصاء. وقوله " وكان وعدا مفعولا " أي كائنا لا محالة على ما أخبرنا به، ثم قال لهم " رددنا لكم الكرة عليهم " يعني الرجعة والنصرة عليهم " وأمددناكم بأموال وبنين " أي أعناكم وكثرناكم " وجعلناكم أكثر نفيرا " اي أكثر أنصارا، ونصبه على التمييز، قال الزجاج: يجوز أن يكون (نفيرا) جمع نفير كعبيد وضنين ومعين قال الفراء: زعموا أن رجلا من همدان بعثه الله على بخت نصر، فقتله وعاد الملك إلى بني إسرائيل فعاشوا.


1- سورة 40 المؤمن (غافر) آية 20.

2- سورة 17 الاسرى آية 23.

3- سورة 19 مريم آية 84.

4- تفسير الطبري (الطبعة الأولى) 15: 21 وتفسير الشوكاني 3: 202 ولم أجده في ديوان حسان المطبوع في بيروت (دار صادر، دار بيروت). وهو أيضا في تفسير القرطبي 10: 216.

5- سورة 2 البقرة اية 14.