الآية 171
قوله تعالى: ﴿وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
هذا خطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وآله يقول الله له: اذكر يا محمد الوقت الذي نتقا فيه الجبل اي رفعناه فوقهم حتى صار كأنه ظلة. وقيل: إنه رفع الجبل على عسكرهم فرسخا في فرسخ. وامرأة منتاق وناتق كثيرة الولد. وقال ابن الاعرابي الناتق الرافع، والناتق الفاتق، الناتق الباسط، وقال العجاج: ينتق انتقاق الشليل نتقا (1) يعني يرفعه عن ظهره. وقال الآخر: ونتقوا أحلامنا الاثاقلا (2) وقال النابغة:
لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم * دحقت عليك بناتق مذكار (3)
ويروى طفحت عليك بناتق. ويقال: تتق السير إذا حركه، ويقال: ما ينتق برجله ولا يركض، والنتق نتق الدابة صاحبها حين تعدو به وتتبعه حتى تربو فذلك النتق. وقال بعضهم: معنى " نتقنا الجبل فوقهم " فرفعناه بنتقه نتقا. قال أبو عبيدة: سمعت من يقول: أخذ الجراب فنتق ما فيه إذا نثر ما فيه والأصل نتقت كل شئ وقوله عز وجل " كأنه ظلة " يعني به غماما من الظلال وقول " وظنوا أنه واقع بهم " قال الحسن معناه علموا. وقال الجبائي والرماني: هو الظن بعينه، لأنه قوي في نفوسهم ذلك. وقوله " خذوا ما آتيناكم بقوة " أي قلنا لهم: خذوا ما آتيناكم بجد يعني ما ألزمناكم من احكام كتابنا وفرائضه فاقبلوه باجتهاد منكم في أوانه من غير تقصير ولا توان. وقال الجبائي: معناه خذوه بالقدرة التي آتاكم الله وأقدركم بها لأنهم لو لم يكونوا قادرين لما كلفهم الله ذلك، وذلك يفسد مذهب من قال القدرة مع الفعل. وقوله " واذكروا ما فيه " معناه ما في كتابه من العهود والمواثيق التي أخذناها عليكم، بالعمل بما فيه لكي تتقوا ربكم فتخافوا عقابه بترككم العمل به إذا ذكرتم ما اخذ عليكم فيه من مواثيق. وكان سبب رفع الجبل عليهم ان موسى عليه السلام لما اتاهم بالتوراة ووقفوا على ما فيها من الاحكام والحدود والتشديد في العبادة أبوا أن يقبلوا ذلك وان يتمسكوا به وان يعملوا بما فيه. وقالوا: إن ذلك يغلظ علينا، فرفع الله الجبل كالظلة عليهم، وعرفهم موسى انهم إن لم يقبلوا التوراة ولم يعملوا بما فيها وقع عليهم فأخذوا بالتوراة وقبلوا ما فيها وصرف الله نزول الجبل عليهم. قال ابن عباس فلذلك صارت اليهود تسجد على قرنها الأيسر، لأنهم سجدوا كذلك ينظرون إلى الجبل وكأنها سجدة نصبها الله. وإنما اتخذت النصارى المشرق قبلة، لان مريم عليها السلام اتخذت مكانا شرقيا حين حملت بعيسى. وقال مجاهد: معناه إن أخذتموه بجد وحسن نية وإلا القي الجبل عليكم. وقال أبو مسلم إن رفع الجبل كان ليظلم من الغمام، وذلك خلاف أقوال المفسرين وما يقتضيه سياق الكلام.
1- ديوانه 40 وتفسير الطبري الطبعة الثانية 9 / 109.
2- اللسان (نتق) وتفسير الطبري الطبعة الثانية 9 / 110.
3- اللسان (نتق) وتفسير الطبري الطبعة الثانية 9 / 110.