الآية 165

قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾

القراءة:

قرأ أبو بكر إلا العليمي " بيئس " بفتح الباء وبعدها ياء ساكنة وبعدها همزة مفتوحة على وزن (فيعل) وروي عنه بكسر الهمزة. وقرأ أهل المدينة والداحوني عن هشام بكسر الهاء وبعدها ياء ساكنة من غير همز. وقرأ مثل ذلك ابن عامر الا الداحوني عن هشام إلا أنه همز. والباقون بفتح الباء وبعدها همزة مكسورة بعدها ياء ساكنة على وزن (فعيل). وروى خارجة عن نافع بفتح الباء بعدها ياء بلا همز على وزن (فعل). قال أبو زيد: قد بؤس الرجل يبؤس بأسا إذا كان شديد البأس، وفي البؤس بئس وبيس يبأس بؤسا وبيئسا وباسا والبأساء الاسم. قال أبو علي: من قرأ على وزن (فعيل) يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون فعيلا من بؤس يبؤس إذا كان شديد البأس مثل " من عذاب شديد " (1) قال أبو محمد الفقعسي:

أشعث غير حسن اللبوس * باق على عيش له بئيس أي شديد.

الثاني: أن يكون من عذاب ذي بئيس. فوضعه بالمصدر، والمصدر قد يجئ على (فعيل) مثل نكير ونذير وشحيح وعذير الحي، والتقدير من عذاب ذي بئيس أي عذاب ذي بؤس. ومن قرأ بكسر الباء من غير همز فإنه جعلها اسما، فوصفه به مثل قوله صلى الله عليه وآله (إن الله نهى عن قيل وقال) ومثله: منذ شب إلى رب. ونظيره من الصفة نقض وبصق. ومن فتح الباء من غير همز فهو أيضا (فعل) في الأصل وصف به وأبدلت الهمزة ياء وحكى سيبويه أنه سمع بعض العرب يقول: بيس فلا يحقق الهمزة ويدع الحرف على الأصل الذي هو (فعل) كأنه يسكن العين كما يسكن من (علم) ويقلب الهمزة ياء الا أنه لما أسكنها لم يجز أن يجعلها بين بين فأخلصها ياء. وقراءة ابن عامر مثل قراءة نافع إلا أن ابن عامر حقق الهمزة. وقراءة أبي بكر على وزن " فيعل " فإنه جعله وصفا كضيغم وحيدر، وهذا البناء كثير في الصفة ولا يجوز كسر العين من بيئس لان " فيعل " بناء اختص به ما كان عينه ياء أو واوا مثل سيد وطيب، ولم يجئ مثل ضيغم وجاء في المعتل حكى سيبويه عين وانشد لرؤبة. ما بال عيني كالشعيب العين (2) فينبغي ان يحمل بيئس على الوهم عمن رواه عن عاصم والأعمش بالكسر وقد أنشد بعضهم:

كلاهما كان رئيسا بيئسا * يضرب في يوم الهياج القونسا (3)

أعلى كل شئ قونسه بكسر العين. فمن كسر العين حمله على هذه اللغة. أخبر الله تعالى أنه لما ترك أهل هذه القرية الرجوع عن ارتكاب المعصية بصيد السمك يوم السبت بعد أن ذكرهم الواعظون ذلك ولم ينتهوا عن ذلك أنه أنجى الناهين عن ذلك وأخذ الذين ظلموا أنفسهم بعذاب شديد جزاء بما كانوا يفسقون ويخرجون عن طاعة الله إلى معصيته. وروي عن عطا أن رجلا دخل على ابن عباس وبين يديه المصحف وهو يبكى وقد أتى على هذه الآية إلى آخرها، فقال ابن عباس قد علمت أن الله أهلك الذين أخذوا الحيتان وأنجى الذين نهوهم، ولا أدري ما صنع بالذين لم ينهوهم ولم يواقعوا المعصية وهي حالنا. و " نسوا " في الآية معناه تركوا ويحتمل أن يكون تركهم القبول في منزلة من نسئ، ولا يجوز أن يكون المراد النسيان الذي هو السهو، لأنه ليس من فعلهم فلا يذمون عليه. وقال الجبائي العذاب الشديد لحقهم قبل ان يمسخوا قردة خاسئين.

1- سورة 14 إبراهيم آية 2.

2- وقيل قائله الطرماح. اللسان (عين).

3- قائله امرئ القيس بن عابس الكندي. تفسير ابن حيان 4 / 143 وتفسير الطبري 13 / 200.