الآية 7
قوله تعالى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾
المعنى:
معناه بيان الصراط المستقيم إذا كان كل طريق من طرق الحق صراطا مستقيما والمعنى صراط من أنعمت عليهم بطاعتك.
القراءة:
وقرأ حمزة بضم الهاء من ذلك: وفي أيديهم " وإليهم " حيث وقع وروى الدوري عنه بضم الهاء في قوله: " فعليهم غضب من الله (1) وقرأ يعقوب بضم كل هاء قبلها ياء ساكنة في التثنية وجمع المذكر والمؤنث نحو: " عليهما " وفيهما " عليهن " و " فيهن " وضم ميم الجمع ووصلها بواو في اللفظ ابن كثير وأبو جعفر وعن نافع فيه خلاف كثير وعن غيره لا نطول بذكره وهو مذكور في كتب القراءات فمن قرأ بكسر الهاء وإسكان الميم قال: إنه أمن من اللبس إذا كانت الألف في التثنية قد دلت على الاثنين ولاميم في الواحد فلما لزمت الميم الجمع حذفوا الواو وأسكنوا الميم طلبا للتخفيف وحجة من قرأ " عليهم " انهم قالوا ضم الهاء هو الأصل لان الهاء إذا انفردت من حرف متصل بها قيل: " هم فعلوا " ومن ضم الميم إذا لقيها ساكن بعد الهاء مكسورة قال: لما احتجت إلى الحركة رددت الحرف إلى أصله فضممت وتركت الهاء على كسرتها لأنه لم تأت ضرورة تحوج إلى ردها إلى الأصل ومن كسر الميم فالساكن الذي لفيها والهاء مكسورة ثم اتبع الكسرة الكسرة.
الاعراب:
(والذين) في موضع جر بالإضافة ولا يقال في الرفع (اللذون) لأنه اسم ليس يتمكن وقد حكي اللذون شاذا كما قيل الشياطون وذلك في حال الرفع ولا يقرأ به وقرأ صراط من أنعمت عليهم: عمر بن الخطاب وعبد الله بن زبير وروي ذلك عن أهل البيت عليهم السلام والمشهور الأول والنعمة التي أنعم بها على المذكورين وإن لم تذكر في اللفظ فالكلام بدل عليها لا لما قال: إهدنا الصراط المستقيم وبينا المراد بذلك ثم بين أن هذا صراط من أنعمت عليهم بها فلم يحتج إلى إعادة اللفظ كما قال النابغة الذبياني:
كأنك من جمال بني أقيش * يقعقع خلف رجليه بشن (2)
لما قال جمال بني أقيش قال يقعقع ومعناه جمل يقعقع خلف رجليه ونظير ذلك كثيرا جدا.
قوله تعالى: ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾
الاعراب:
أجمع المفسرون والقراء على جر (غير) لأنها نعت للذين وإنما جاز أن تكون نعتا للذين والذين معرفة وغير نكرة لان الذين بصلتها ليست بالمعرفة كالأسماء المعية التي هي أعلام كزيد وعمرو وإنما هي كالنكرات إذا عرفت كالرجل والبعير فلما كانت الذين كذلك كانت صفتها كذلك أيضا وجاز أن تكون نعتا للذين كما يقال لا أجلس إلا إلى العالم غير الجاهل ولو كانت بمنزلة الاعلام لما جاز كما لم يجز في قولهم: مررت بزيد غير الظريف فلا يجرها على أنها نعت وان نصبتها في مثل هذا جاز على الحال ويحتمل أيضا أن تكون مجرورة لتكرير العامل الذي خفض الذين فكأنك قلت: صراط الذين أنعمت عليهم صراط غير المغضوب عليهم ويتقارب معناهما لان الذين أنعمت عليهم هم الذين لم يغضب عليهم وقرئ في الشواذ غير المغضوب عليهم بالنصب ووجهها أن تكون صفة للهاء والميم اللتين في عليهم العائدة على الذين لأنها وان خفضت بعلى فهي موضع نصب بوقوع الانعام عليها ويجوز أن يكون نصبا على الحال وقال الأخفش والزجاج: انها نصب على وجه الاستثناء من معاني صفة الذين أنعمت عليهم وتقديره: إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم إلا المغضوب عليهم الذين لم تنعم عليهم في أديانهم فلا تجعلنا منهم ويكون استثناء من غير جنس كما قال النابغة للذبياني:
وقفت فيها أصيلا لا أسائلها (3) * أعيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الاواري (4) لايا ما أبينها * والنؤي (5) كالحوض بالمظلومة (6) الجلد
وقال الفراء: وتغلب هذا خطأ لأنه لو كان كذلك لما قال: ولا الضالين لان لا نفي وجحد ولا يعطف على جحد إلا بجحد ولا يعطف بالجحد على الاستثناء وإنما يعطف بالاستثناء على استثناء وبالجحد على الجحد يقولون قام القوم إلا أخاك وإلا أباك ولا قام أخوك ولا أبوك ولا يقولون ما قام القوم إلا أخاك ولا أباك فعلى هذا تكون (غير) بمعنى: لا فكأنه قال لا المغضوب عليهم ولا الضالين قال الرماني: من نصب على الاستثناء جعل لا صلة كما انشد أبو عبيدة في بئر لا حور سرى وما شعر (7) أي في بئر هلكة (والمغضوب عليهم) هم اليهود عند جميع المفسرين الخاص والعام لأنه تعالى قد أخبر انه غضب عليهم وجعل فيهم القردة والخنازير (ولا الضالين) هم النصارى لأنه قال: (وضلوا عن سواء السبيل) (8) وقال (لعن الذين كفروا) يعني النصارى وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وقال بعضهم لا: زائدة تقديره: غير المغضوب عليهم والضالين كما قال: (ما منعك ان لا تسجد) (9) أي معناه أن تسجد قال أبو النجم:
فما ألوم البيض ألا تسخرا * لما رأين الشمط القفندرا (10)
يعني أن تسخر وتكون غير بمعنى سوى وقد بينا ضعف هذا عند الكوفيين لما مضى، ولأنه إنما يجوز ذلك إذا تقدمه نفي كقول الشاعر:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم * والطيبان أبو بكر ولا عمر
واما الغضب من الله فهو إرادة العقاب المستحق بهم ولعنهم وبراءته منهم واصل الغضب الشدة ومنه الغضبة الصخرة الصلبة الشديدة المركبة في الجبل المخالفة له ورجل غضوب شديد الغضب والغضوب الحية الخبيثة لشدتها والغضوب الناقة العبوس واصل الضلال الهلاك ومنه قوله (إذا ضللنا في الأرض) أي هلكنا ومنه قوله تعالى (وأضل اعمالهم) أي أهلكها والضلال في الدين الذهاب عن الحق والاضلال الدعاء إلى الضلال والحمل عليه ومنه قوله تعالى: " وأضلهم السامري " (11) والاضلال الاخذ بالعاصين إلى النار والاضلال الحكم بالضلال والاضلال التحيير بالضلال بالتشكيك لتعدل عنه واليهود - وان كانوا ضلالا - والنصارى - وان كانوا مغضوبا عليهم فإنما خص الله تعالى كل فريق منهم بسمة يعرف بها ويميز بينه وبين غيره بها وان كانوا مشتركين في صفات كثيرة وقيل إنه أراد (بالمغضوب عليهم ولا الضالين) جميع الكفار وإنما ذكروا بالصفتين لاختلاف الفائدتين وروى جابر ابن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال الله تعالى: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فله ما سأل فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال اثنى علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي ثم قال هذا لي وله ما بقي) ولا يجوز عندنا ان يقول القارئ عند خاتمة الحمد: آمين فان قال ذلك في الصلاة متعمدا بطلت صلاته لأنه كلام لا يتعلق بالصلاة ولأنه كلام لا يستقل بنفسه وإنما يفيد إذا كان تأمينا على ما نقدم ومتى قصد بما تقدم الدعاء لم يكن تاليا للقرآن فتبطل صلاته وان قصد التلاوة لا يكون داعيا فلا يصح التأمين وان قصدهما فعند كثير من الأصوليين ان المعنيين المختلفين لا يصح ان يردا بلفظ واحد ومن أجاز ذلك - وهو الصحيح - منع منه لقيام الدلالة على المنع من ذلك فلأجل ذلك لم يجز
1- سورة النحل آية 106.
2- الشن والشنة: القرية.
3- الصحيح كي أسائلها وفي نسخة: اصيلانا أسائلها.
4- ج آري محابس الخيل.
5- حفرة حول الخيمة تمنع من تسرب الماء إليها.
6- الأرض التي لم تحفر قط وحفرت.
7- أي بئر هلكة.
8- سورة المائدة آية: 80.
9- سورة الأعراف آية 11.
10- الشمط: الشيب والقفندر: الصغير الرأس القبيح المنظر.
11- سورة طه آية: 85.