الآية 4
قوله تعالى: ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾
القراءة:
قرأ عاصم والكسائي وخلف ويعقوب: ومالك بالألف. الباقون ملك بغير الف، ولم يمل أحد الف مالك وكسر جميعهم الكاف وروي عن الأعمش انه فتحها على النداء وربيعة بن نزار يخففون مالك ويسقطون الألف فيقولون: ملك بتسكين اللام وفتح الميم كما قال أبو النجم تمشي الملك عليه حلله والألف ساقط في الخط في القراءتين والمعول على الأولتين دون النصب وإسكان اللام ومعنى ملك يوم الدين باسقاط الألف أنه الملك يومئذ لا ملك غيره وأنه لا يؤتى في ذلك الوقت أحدا الملك كما اتاه في الدنيا، وقوى ذلك بقوله تعالى: " لمن الملك اليوم؟لله الواحد القهار (1) وبأنه يطابق ما تقدم من قوله: " رب العالمين الرحمن الرحيم " ومن قرأ مالك بألف معناه انه مالك يوم الدين والحساب لا يملكه غيره ولا يليه سواه.
اللغة:
والمالك هو القادر على التصرف في ماله وأن يتصرف فيه على وجه ليس لأحد منعه منه ويوصف العاجز بأنه مالك من جهة الحكم والملك هو القادر الواسع القدرة الذي له السياسة والتدبير ويقال ملك بين الملك مضمومة الميم ومانك بين الملك والملك بفتح الميم وكسرها وضم الميم فيه لغة شاذة ذكرها أبو علي الفارسي.
ويقال طالت مملكة الأمير ومملكته بكسر اللام وفتحها وطال ملكه وملكه إذا طال رقه، وأعطاني من ملكه وملكه ولي في هذا الوادي ملك وملك وملك ويقال نحن عبيد مملكة وليس بعبيد قن اي سبيا لم يملك في الأصل ويقال: شهدنا املاك فلان وملكه ولا يقال ملاكه فأصل الملك الشد من قول الشاعر: ملكت بها كفي وانهرت (2) فقعها (3) اي شددت وملكت العجين اي شددت عجنه ويقال: هذا ملك فلان إذا كان له التصرف فيه على ما بيناه فأما من رجح قراءة ملك من حيث إنه وصف نفسه بأنه ملك كل شئ بقوله " رب العالمين " فلا فائدة في تكرير ما قد مضى فقد أبعد لان في القرآن له نظائر تقدمها العام وذكر بعد العام الخاص: " اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق (4) " فعم في الأول ثم خص ذكر لانسان تنبيها على تأمل ما فيه من اتقان الصنعة ووجوه الحكمة كما قال: " وفي نفسكم أفلا تبصرون؟(5) " ولذلك نظائر كثيرة وفي الناس من قال إن ملك أبلغ في المدح من مالك لان ملك مالك وليس كل مالك ملكا وقال تغلب: إن مالك أبلغ من ملك لأنه قد يكون الملك على من لا يملك كما يقال ملك الروم وإن كان لا يملكهم ولا يكون مالكا إلا على ما يملك وقال بعضهم: ان مالك أبلغ في المدح للخالق من ملك وملك أبلغ في مدح المخلوقين من مالك لان مالك من المخلوقين قد يكون غير ملك وإذا كان الله تعالى مالكا كان ملكا والأقوى أن يكون مالك أبلغ في المدح فيه تعالى لأنه ينفرد بالملك ويملك جميع الأشياء فكان أبلغ وقوله تعالى: " يوم الدين ".
الاعراب:
مجرور بالإضافة قي القراءتين معا، وهو من باب يا سارق الليلة أهل الدار اتسع في الظرف فنصب نصب المفعول به ثم أضيف على هذا الحد وليس ذلك مثل قوله: (وعنده علم الساعة) مفعول بها (6) على الحقيقة ولا أن جعل الظرف مفعولا على السعة لان الظرف إذا جعل مفعولا على السعة فمعناه معنى الظرف ولو جعل ظرفا لكان المعنى: يعلم في الساعة وذلك لا يجوز لأنه تعالى يعلم في كل وقت.
المعنى:
انه يعلم الساعة أي يعرفها ومن نصب إنما هرب ان يخرج من خطاب الغائب إلى المواجه في قوله " إياك نعبد وإياك نستعين " وليس ذلك ببديع لأنه مستعمل في القرآن وفى الشعر قال الله تعالى: " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم " (7) فعدل عن خطاب المواجه إلى الكنانة عن الغائب وقال الشاعر:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها * بني شاب قرناها تصر (8) وتحلب
وقال أبو كثير الهلالي:
يا لهف نفسي كان جدة خالد * وبياض وجهك للتراب الاعفر
وقال لبيد بن ربيعة:
قامت (9) تشكي إلي النفس مجهشة (10) * وقد حملتك سبعا بعد سبعينا
فرجع إلى مخاطبة نفسه وقد تقدم الاخبار عنها وقال الكسائي التقدير: قولوا إياك نعبد. فيكون على حكاية ما أمروا به.
اللغة:
والدين الحساب والدين الجزاء أيضا قال كعب بن جعيل:
إذا ما رمونا رميناهم * ودناهم فوق ما يقرضونا
وقال آخر:
واعلم وأيقن ان ملكك زائل * واعلم بأنك ما تدين تدان
يعني: ما تجزي تجزى ومنه قوله تعالى: (كلا بل تكذبون بالدين) يعني بالجزاء وقوله: (فلو لا ان كنتم غير مدينين) أي غير مجزيين وبهذا قال جماعة من التابعين كسعيد بن جبير وقتادة وروي عن ابن عباس ومجاهد وأبي جعفر: انه الحساب والدين أيضا الطاعة وقال عمرو بن كلثوم:
وأيام لنا غر طوال * عصينا الملك فيها ان ندينا
والدين الملك قال زهير:
لئن حللت بجو في بني أسد * في دين عمرو وحالت بيننا فدك
والدين القهر والاستعلاء قال الأعشى: هو دان الرباب إذ كرهوا الدين دراكا بغزوة وصقال (11) يعني ذللهم للطاعة والدين العادة قال المثقب العبدي:
تقول وقد درأت لها وضينى * أهذا دينه ابدا وديني
التفسير:
(ويوم الدين) عبارة عن زمان الجزاء كله وليس المراد به ما بين المشرق والمغرب وطلوع الشمس إلى غروبها.
1- سورة إبراهيم: آية 48.
2- انهن وسع والصحيح فأنهرت.
3- الصحيح فتقها قاله قيس بن الخطيم.
4- سورة العلق آية 1 و 2.
5- سورة الذاريات آية 21.
6- به.
7- سورة يونس: آية 22.
8- صر الناقة يصرها - بالضم - صر أشد ضرعها - القاموس القرن: الضفيرة.
9- باتت.
10- موهنة - العقد الفريد مجهشة - لسان العرب.
11- وارتحال وفي مجمع البيان: وصيال.