الآية2
قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
الاعراب:
اجمع القراء على ضم الدال من الحمد وكسر اللام الأولى من لله وكان يجوز أن يفتح الدال مع كسر اللام ويكسر الدال واللام (1) نكن لم يقرأ به إلا أهل البوادي ومن نصب فعلى المصدر ومن كسرهما اتبع كسرة الدال كسرة اللام ومن ضمهما اتبع ضم الدال بضمة اللام (2).
ونصب الدال لغة في قريش والحارث بن اسامة بن لؤي وكسرها لغة في تميم وغطفان وضمها لغة في ربيعة توهموا انه حرف واحد مثل الحلم وقوله: لله مخفوض بالإضافة ورب العالمين (3) مخفوض لأنه نعت ويجوز نصبه على الحال والنداء وما قرئ به والعالمين مخفوض بالإضافة ونونها مفتوحة لأنها نون الجمع فرقا بينها وبين نون التثنية وبعض قيس يحذف الألف التي قبل الهاء ويخلس الهاء ويشددها ويقصرها انشد بعضهم:
ألا لا بارك الله في سهيل * إذا ما بارك الله في الرجال
اختلس الأولى وأشبع الثانية ويقرأ بهذا ومعنى الحمد لله الشكر لله خالصا دون سائر ما يعبد بما أنعم على عباده من ضروب النعم الدينية والدنياوية (4) وقال بعضهم: الحمد لله ثناء عليه بأسمائه وصفاته وقوله الشكر لله ثناء على نعمه وأياديه، والأول أصح في اللغة، لان الحمد والشكر يوضع كل واحد منهما موضع صاحبه.
ويقال أيضا: الحمد الله شكرا فنصب شكرا على المصدر، ولو لم يكن في معناه لما نصبه ودخول الألف واللام فيه لفائدة الاستيعاب، فكأنه قال جميع الحمد لله، لان التالي مخبر بذلك، ولو نصبه فقال حمدا لله أفاد أن القائل هو الحامد فحسب وليس ذلك المراد، ولذلك اجتمعت القراء على ضم الدال على ما بيناه، والتقدير: قوله الحمد لله.
وإذا كان الحمد هو الشكر، والشكر هو الاعتراف بالنعمة على ضرب من التعظيم فالمدح ليس من الشكر في شئ وإنما هو القول المنبئ عن عظم حال الممدوح مع القصد إليه.
وأما الرب فله معان في اللغة: فيسمى السيد المطاع ربا، قال لبيد بن ربيعة:
فأهلكن يوما رب كندة وابنه * ورب معد بين خبت (5) وعرعر (6)
يعني سيد كندة. ومنه قوله تعالى: " أما أحد كما فيسقي ربه خمرا " يعني سيده ويسمى الرجل المصلح ربا قال الفرزدق بن غالب:
كانوا كسالئة (7) حمفاء إذ حقنت * سلائها في أديم غير مربوب
يعني غير مصلح ومنه قيل فلان رب ضيعة إذا كان يحاول اتمامها والربانيون من هذا من حيث كانوا مدبرين لهم واشتق رب من التربية يقال ربيته وربيته بمعنى واحد والربى الشاة ولدت حديثا لأنها تربى.
وقوله (رب العالمين) أي المالك لتدبيرهم والمالك للشئ يسمى ربه ولا يطلق هذا الاسم إلا على الله وأما في غيره فبقيد فيقال: رب الدار ورب الضيعة وقيل إنه مشتق من التربية ومنه قوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم) ومتى قيل في الله انه رب بمعنى انه سيد فهو من صفات ذاته.
وإذا قيل بمعنى انه مدبر مصلح فهو من صفات الافعال والعالمين جمع عالم وعالم لا واحد له من لفظه كالرهط والجيش وغير ذلك والعالم في عرف اللغة عبارة عن الجماعة من العقلاء لأنهم يقولون جاءني عالم من الناس ولا يقولون جاءني عالم من البقر وفي عرف الناس عبارة عن جميع المخلوقات وقيل إنه أيضا اسم لكل صنف من الأصناف وأهل كل زمن من كل صنف يسمى عاما ولذلك جمع وقيل عالمون لعالم كل زمان قال العجاج: فخندف (8) هامة هذا العالم وهذا قول أكثر المفسرين كابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم واشتقاقه من العلامة لأنه علامة ودلالة على الصانع تعالى وقيل إنه من العلم - على ما روى ابن عباس - قال هم صنف من الملائكة والانس والجن لأنه يصح أن يكون كل صنف منهم عالما فان قيل كيف يجوزان يقول الحمد لله والقائل هو الله تعالى وان (9) كان يجب ان يقول الحمد لنا.
قيل العالي الرتبة إذا خاطب من دونه لا يقول كما يقول للنظير ألا ترى ان السيد يقول لعبده الواجب ان تطيع سيدك ولا تعصيه، وكذلك يقول الأب لابنه يلزمك أن تبر أباك والمنة لأبيك والخلفاء يكتبون عن أنفسهم إن أمير المؤمنين رأى كيت وكيت ليقع ذلك موقع اجلال واكرام واعظام على انا قد بينا ان المراد بذلك: قولوا الحمد لله وحذف لدلالة الكلام عليه.
1- وبضمهما.
2- واتبع ضم اللام بضم الدال - لعله الأصح.
3- العالمين زائدة.
4- دنيوية والألف زائدة. لان الواو قلبت عنها.
5- خبت وعرعر موضعان.
6- خبت وعرعر موضعان.
7- سلا السمن: عالجه.
8- لقب أولاد الياس بن مضر.
9- وكان يجب.