الآيات 97-100
قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾
هذا وعد من الله تعالى بأن من عمل صالحا من الطاعات سواء كان فاعله ذكرا أو أنثى، وهو مع ذلك مؤمن بتوحيد الله، مقر بصدق أنبيائه، فأن الله يحييه حياة طيبة. وقال ابن عباس: الحياة الطيبة هو الرزق الحلال. وقال الحسن: هي القناعة. وقال قتادة: حياة طيبة في الجنة. وقال قوم: الأولى أن يكون المراد بها القناعة في الدنيا، لأنه عقيب ما توعد غيرهم به من العقوبة فيها مع أن أكثر المؤمنين ليسوا بمتسعي الرزق في الدنيا. ثم أخبر انه يجزيهم زيادة على الحياة الطيبة " أجرهم " وثوابهم " بأحسن ما كانوا يعملون " وقد فسرناه، وإنما قال " ولنجزينهم " بلفظ الجمع، لان (من) يقع على الواحد والجميع، فرد الكناية على المعنى، ثم خاطب نبيه، فقال: يا محمد " إذا قرأت بالقرآن " والمراد به جميع المكلفين " فاستعذ بالله " والمعنى إذا أردت قراءة القرآن " فاستعذ بالله " كما قال: " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا " (1) والمعنى إذا أردتم القيام إليها، لان بعد القراءة لا يجب الاستعاذة إلا عند من لا يعتد بخلافه. وقال قوم: هو على التقديم والتأخير، وهذا لا يجوز لأنه ضعيف، لأنه لا يجوز التقديم، والتأخير في كل شئ، ولذلك حدود في العربية لا تتجاوز. وإنما يجوز ذلك مع ارتفاع اللبس والشبهة، والاستعاذة عند التلاوة مستحبة غير واجبة - بلا خلاف - " من الشيطان الرجيم " أي استعذ بالله من المبعد من رحمة الله المرجوم، من سخطه. ثم أخبر أنه " ليس " للشيطان سلطان ولا حجة " على الذين آمنوا " بالله وحده ولم يشركوا به سواه. وفوضوا أمرهم إليه وتوكلوا عليه. وإنما سلطانه وقدرته على الذين يتولونه ويقبلون منه، وعلى الذين يشركون في عبادة الله سواه. وقال الجبائي: في الآية دلالة على أن الصرع ليس من قبل الشيطان، قال: لأنه لو أمكنه أن يصرعه، لكان له عليهم سلطان. وأجازه أبو الهذيل وابن الاخشاد، وقالا: إنه يجري مجرى قوله " كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " (2) ولان الله تعالى قال: " إنما سلطانه على الذين يتولونه " وإنما أراد سلطان الاغواء والاضلال عن الحق. ومعنى قوله " والذين هم به مشركون " فيه قولان:
أحدهما: قال الربيع: من أن الذين يطيعونه فيما يدعو إليه من عبادة غير الله مشركون، فلما كان من اطاعه فيما يدعو إليه من عبادة غير الله مشركا، كان به مشركا، وهو من الايجاز الحسن.
الثاني: قال الضحاك: الذين هم بالله مشركون.
1- سورة 47 محمد آية 4.
2- سورة المائدة اية 6.