الآية 156

قوله تعالى: ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾

هذا تمام الاخبار عما قال موسى وقومه الذين كانوا معه، وأنهم سألوا الله تعالى المغفرة وأن يكتب لهم في هذه الدنيا حسنة وهي النعمة، وإنما سميت النعمة حسنة وإن كانت الحسنة اسم الطاعة لله لامرين:

أحدهما: أن النعمة تتقبلها النفس كما يتقبل العقل الحسنة التي هي الطاعة.

والآخر: أن النعمة ثمرة الطاعة لله عز وجل، وإنما سألوا أن يكتب لهم، ولم يسألوا أن يجعل لهم، لان ما كتب من النعمة أثبت لا سيما إذا كانت الكتابة خبرا بدوام النعمة، ويقال كتب له الرزق في الديوان، فيدل على ثبوته على مرور الأزمان. " وفي الآخرة " معناه واكتب لنا في الآخرة أيضا النعمة التي هي الثواب " إنا هدنا إليك " قال ابن عباس معناه تبنا إليك، وبه قال سعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة ومجاهد. وأصله الرجوع من هاد يهود، فهو هايد إذا رجع، فمعناه رجعنا بتوبتنا إليك، والتهويد الترفق في السير والتفريج والتمكث. وقال أبو وجرة: - هدنا - بكسر الهاء من هاد يهيد، وهو شاذ، وثوب مهود أي مرقع ذكره الجبائي، وليس اليهود مشتقا منه، بل إنما قيل يهودي، لأنه نسب إلى يهوذا، لكن العرب غيرته في النسب. وقوله " قال عذابي أصيب به من أشاء " حكاية عما أجابهم الله به من أن عذابه يصيب به من يشاؤه ممن استحقه بعصيانه. وقيل: إنما علقه بالمشيئة ولم يعلقه بالمعصية لامرين:

أحدهما: الاشعار بأن وقوعه بالمشيئة له، دون المعصية.

الثاني: انه لا يشأ ذلك إلا على المعصية، فأيهما ذكر دل على الاخر وعندنا أنه علقه بالمشيئة، لأنه كان يجوز الغفران عقلا بلا توبة. وقوله " ورحمتي وسعت كل شئ " معناه إني أقدر أن أنعم على كل شئ يصح الانعام عليه، وقيل: المعنى إنها تسع كل شئ إن دخلوها، فلو دخل الجميع فيها لو سمعتهم الا أن فيهم من يمتنع منها بالضلال بأن لا يدخل معه فيها، وقال ابن عباس: وهي خاصة في المؤمنين، وقال الحسن وقتادة هي عامة للبر والفاجر - في الدنيا - خاصة. وفي الآخرة للبر. وقوله " فسأكتبها للذين يتقون " معناه إن الرحمة في الآخرة مكتوبة للذين يتقون معاصيه ويحذرون عقابه " ويؤتون الزكاة " قيل في معناه - ههنا - قولان:

أحدهما: يخرجون زكاة أموالهم، فذكره، لأنه من أشق فرائضهم.

الثاني: يطيعون الله ورسوله في قول ابن عباس والحسن ذهبا إلى ما يزكي النفس ويطهرها من الاعمال، والذين هم بآياتنا يؤمنون يعني أكتبها للذين يصدقون بآيات الله وحججه وبيناته، وليس إذا كتب الرحمة للذين يتقون منع أن يغفر للعصاة والفساق بلا توبة، لان الذي تفيده الآية القطع على وصول الرحمة إلى المتقين، والفساق ليس ذلك بمقطوع لهم وإن كان مجوزا.