الآية 146

قوله تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي وخلف " الرشد " بفتح الراء والشين. الباقون بضم الراء وسكون الشين. وفرق بينهما أبو عمرو بن العلاء، فقال: الرشد - بضم الراء - الصلاح، كقوله " فإن آنستم منهم رشدا " (1) أي صلاحا، لدفعه إليهم، والرشد الاستقامة في الدين، كقوله " على أن تعلمني مما علمت رشدا " (2) وقال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد، مثل الحزن والحزن، والسقم والسقم، والرشد سلوك طريق الحق تقول: رشد يرشد رشدا، ورشد يرشد رشدا، وأرشده ارشادا، واسترشد استرشادا، وضده الغي: غوي يغوى غيا وغواية، وأغواه إغواء، واستغواه استغواء. وقال الجبائي والرماني: معنا " سأصرف عن آياتي " أي سأصرف عن آياتي من العز والكرامة بالدلالة التي كسبت الرفعة في الدنيا والآخرة، ويجوز أن يكون معناه أي احكم عليهم بالانصراف واسميهم بأنهم منصرفون عنها، لأنهم قد انصرفوا عنها، كما قال " ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم " (3). ويحتمل أن يكون المراد اني سأصرفهم عن التوراة والقرآن، وما أوحى الله من كتبه بمعنى أمنعهم من إفساده وتغييره وإبطاله، لأنه قال في أو - ل الآية " وكتبنا له في الألواح " إلى قوله تعالى " سأصرف عن آياتي " ويجوز أن يكون المراد " سأريهم آياتي " فينصرفون عنها وهم الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق، كما يقول القائل: سأحير فلانا أي اسأله عن شئ فيتحير عند مسألتي، وسأنجل فلانا أي أسأله ما ينجل عنده، وكذلك يقال: سأقطع فلانا بكلامي، والمراد انه سينقطع عند كلامي، وكل ذلك واضح بحمد الله. ويجوز أن يكون المراد انهم لما عاندوا وتمردوا بعد لزوم الحجة عليهم وحضروا للتلبيس والشغب على ما حكاه الله عنهم انهم قالوا " لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه " (4) صرفهم الله بلطفه عن الحضور كما كانوا يحضرونه، ويحتمل أن يكون المراد سأصرف عن جزاء آياتي. ومن زعم أنه بمعنى سأصرف عن الايمان بآياتي فقد أخطأ، لأنه تعالى لا يأمر بالايمان ثم يمنع منه، لان حكمته تمنع من ذلك. والصرف نقل الشئ إلى خلاف جهته، يقال: صرفه يصرفه صرفا، وصرفه تصريفا، وتصرف تصرفا، وصارفه مصارفة، انصرف انصرافا. وقوله تعالى " الذين يتكبرون في الأرض " والتكبر اظهار كبر النفس على غيرها، وصفة متكبر صفة ذم في جميع البشر، وهو مدح في صفات الله تعالى، لأنه يستحق اظهار الكبر على كل شئ سواه، لان ذلك حق، وهذا المعنى في صفة غيره باطل، فمعنى الآية الاخبار من الله انه يصرف عن ثواب آياته " الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها " يعني الذين إذا شاهدوا الحجج والبراهين لا ينقادون لها، ولا يصدقون بها " وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا " ومعناه انهم متى رأوا سبيل الصلاح عدلوا عنه، ولم يتخذوه طريقا لهم بمعنى انهم لا يعملون بذلك " وان يروا سبيل الغي.. " يعني وان يروا ضد الرشد من الكفر والضلال سلكوه وارتكبوا معصية الله في ذلك. وقوله تعالى " ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا " يحتمل ذلك أن يكون في موضع رفع أي أمرهم ذلك، ويحتمل أن يكون نصبا أي فعلنا بهم ذلك، لأنهم تكبروا وكذبوا، ومعناه: أفعل ذلك بهم، يعني صرفي لهم عن ثواب الآيات الجزيل والمنزلة الجليلة. ومن قال من المجبرة: ان الله تعالى يصرفه عن الايمان قوله باطل، لأنه تعالى لا يجوز ان يصرف أحدا عن الايمان، لأنه لو صرفه عنه ثم أمره به لكان كلفه ما لا يطيقه، وذلك لا يجوز عليه تعالى. وأيضا فان الله تعالى بين انه يصرفهم عن ذلك في المستقبل، جزاء لهم على كفرهم الذي كفروا، فكيف يكون ذلك صرفا عن الايمان! وقيل: إن معنى الآية أي سأصرف عن آياتي، ولا أظهرها لهم كما أظهرتها للمؤمنين، ويريد بذلك المعجزات الباهرات، لعلمي بأن إظهارها مفسدة لهم يزدادون عندها كفرا، تبين ذلك في قوله تعالى " وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ". وقيل: معناه سأصرف عن إبطالها والطعن فيها بما أظهره من حججها، كما يقال: سأمنعك من فلان أي من أذاه، ذكره البلخي.


1- سورة 4 النساء آية 5.

2- سورة 18 الكهف آية 67.

3- سورة 9 التوبة آية 128.

4- سورة 41 حم السجدة آية 26.