الآية 37

قوله تعالى: ﴿إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة " يهدي " بفتح الياء وكسر الدال. الباقون بضم الياء وفتح الدال، ولم يختلفوا في ضم ياء يضل وكسر الضاد. فمن فتح الياء وكسر الدال احتمل ذلك أمرين:

أحدهما: انه أراد ان الله لا يهدي من يضله.

الثاني: أن من أضله الله لا يهتدي. ومن ضم الياء أراد من أضله الله لا يقدر أحد ان يهديه، وقووا ذلك بقراءة أبي " لا هادي لمن أضل الله " واسم الله تعالى اسم (إن) و (يضل) الخبر. ومعنى اضلال الله - ههنا - يحتمل أمرين:

أحدهما: ان من حكم الله بضلاله وسماه ضالا، لا يقدر أحد ان يجعله هاديا ويحكم بذلك.

الثاني: إن من أضله الله (عز وجل) عن طريق الجنة لا أحد يقدر على هدايته إليها، ولا يقدر هو أيضا على أن يهتدي إليها. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " ان تحرص " يا محمد على أن يؤمنوا ويهتدوا إلى الجنة، فهم بسوء اختيارهم لا يرجعون عن كفرهم، والله تعالى قد حكم بكفرهم وضلالهم واستحقاقهم للعقاب، فلا أحد يقدر على خلاف ذلك. و (من) في الوجهين في موضع رفع، فمن ضم الياء رفعها لأنها لم يسم فاعلها، ومن فتح الياء، فلأنها الفاعل. والمراد بالآية التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه لمن لا يفلح بالإجابة، لانهماكه في الكفر، وان ذلك ليس تقصيرا من جهتك بل إنه ليس إلى فلاح مثل هذا سبيل. وقوله " وما لهم من ناصرين " معناه ليس لهم ناصر ينصرهم ويخلصهم من العقاب، وذلك يبين انه ليس المراد بالآية الضلال عن الدين، وإنما المراد ما قلناه من عدولهم عن الثواب إلى العقاب. والحرص طلب الشئ بجد واجتهاد، تقول: حرص يحرص حرصا، وحرص يحرص بكسر الراء في الماضي، وفتحها في المستقبل، والأول لغة أهل الحجاز.