الآيات 28-30

قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ، وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾

القراءة:

قرأ حمزة " الذين يتوفاهم " بالياء. الباقون بالتاء، من قرأ بالتاء فلتأنيث لفظة الملائكة، ومن قرأ بالياء، فلان التأنيث غير حقيقي وقد مضى نظيره كثيرا. يقول الله تعالى ان الخزي اليوم والسوء على الكافرين، الذين يتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم و " الذين " في موضع الجر بأنه بدل من الكافرين وإنما قال ذلك ليعلم به ان الوعيد يتناول من كان مات على كفره، لأنه ان تاب لم يتوجه الوعيد إليه، ومعنى " تتوفاهم الملائكة " أي تقبض أرواحهم بالموت، ظالمي أنفسهم بما فعلوه من ارتكاب المعاصي التي استحقوا بها العقاب. والظالم من فعل الظلم، ويصح ان يظلم الانسان نفسه كما يظلم غيره. وقوله " فألقوا السلم " اي استسلموا للحق حين لا ينفعهم السلم، يعني الانقياد والاذعان. وقوله " ما كنا نعمل من سوء " اي قالوا ما عملنا من سوء، فكذبهم الله، وقال " بلى " قد فعلتم والله عالم بما كنتم تعملون في الدنيا من المعاصي وغيرها. وقيل في معنى ذلك قولان:

أحدهما: ما كنا نعمل من سوء عند أنفسنا، لأنهم في الآخرة ملجؤون إلى ترك القبيح والكذب، ذكره الجبائي. وقال الحسن وابن الاخشاذ: في الآخرة مواطن يلجئون في بعضها دون بعض، ثم بين انه تعالى يقول لهم " ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها " اي مؤبدين فيها " فلبئس مثوى المتكبرين " قسم من الله تعالى انها بئس المأوى لمن تكبر على الله، ولم يعمل بطاعته، " وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم " اي اي شئ " انزل ربكم قالوا خيرا " على معنى ماذا، والمعنى انزل الله خيرا، وإنما نصب (خيرا) ههنا بعد قوله " قالوا " ورفع " أساطير " فيما تقدم لامرين. أحدهما - انهم جحدوا التنزيل، فقالوا إنما هي أساطير الأولين وأقر المؤمنون بالتنزيل، فقالوا أنزل ربنا خيرا.

الثاني: قال سيبويه أن يكون الرفع على تقدير ما الذي انزل ربكم فيكون ذا بمعنى الذي، وفي النصب يكون (ذا، وما) بمنزلة اسم واحد وقوله " الذين أحسنوا الحسنى " يحتمل أن يكون من كلام من قال خيرا، ويحتمل أن يكون اخبارا من الله تعالى، وهو الأقوى، لأنه أبلغ في باب الدعاء إلى الاحسان، فأجاز الحسن والزجاج كلا الوجهين، والمعنى ان للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة مكافأة لهم في الدنيا قبل الآخرة خيرا " ولنعم دار المتقين " يعني الجنة التي يدخلها الذين اتقوا معاصي الله وفعلوا طاعاته.