الآية 136

قوله تعالى: ﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ﴾

أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه بعد أن أظهر الآيات التي مضى ذكرها وفزع قوم فرعون إلى موسى ليسأل الله أن يرفع عنهم العذاب، فإنهم إذا رفع عنهم ذلك آمنوا، ففعل موسى، ورفع الله عنهم ذلك، ولم يؤمنوا ونكثوا ما عهدوا به من القول وأنه انتقم منهم، ومعناه سلب نعمهم بانزال العذاب عليهم وحلول العقاب بهم. وقوله " فأغرقناهم في اليم " فالاغراق في الامر أو النزع، فهو مشبه بالاغراق في الماء. و " اليم " البحر في قول الحسن وجميع أهل العلم - قال ذو الرمة:

دوية ودجى ليل كأنهما * يم تواطن في حافاته الروم (1)

وقال الراجز: كبازخ اليم سقاه اليم (2) وقوله تعالى " بأنهم كذبوا بآياتنا " معناه إنا فعلنا بهم ذلك جزاء بما كذبوا من آيات الله وحججه وبراهينه الدالة على نبوة موسى وصدقه " وكانوا عنها غافلين " معناه أنهم أنزل عليهم العذاب وكانوا غافلين عن نزول ذلك بهم. والغفلة حال تعتري النفس تنافى الفطنة واليقظة تقول: غفل يغفل غفولا، وغفلا وغفلة، وتغافل تغافلا وأغفل الامر إغفالا، واستغفله استغفالا، واغتفله اغتفالا وتغفل تغفلا، وغفله تغفيلا وهو مغفل. فإن قيل كيف جاء الوعيد على الغفلة، وليست من فعل البشر ؟! قلنا عنه ثلاثة أجوبة:

أحدها: أنهم تعرضوا لها حتى صاروا، لا يفطنون بها.

الثاني: أن الوعيد على الاعراض عن الآيات حتى صاروا كالغافلين عنها.

الثالث: أن المعنى وكانوا عن النعمة غافلين ودل عليه (انتقمنا).


1- ديوانه: 576 وتفسير الطبري 13 / 74.

2- قائله العجاج ديوانه: 63 ومجاز القرآن 1 / 277 وتفسير الطبري 13 / 75.