الآيات 134-135

قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ، فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إلى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾

(لما) للماضي مثل (لو). و (إذا) للمستقبل مثل (أن) وإن دخلت على الماضي. أخبر الله تعالى عن هؤلاء القوم أنه حين وقع عليهم الرجز... وهو العذاب - في قول الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد وفي قول سعيد بن جبير: هو الطاعون وقال قوم هو الثلج ولم يكن وقع قبل ذلك، وأصل الرجز الميل عن الحق، ومنه قوله تعالى " والرجز فاهجر " (1) يعني عبادة الوثن، والعذاب رجز، لأنه عقوبة على الميل عن الحق، ومنه الرجازة ما يعدل به الحمل إذا مال، والرجازة أيضا صوف أحمر يزين به الهودج، لأنه كالرجازة التي هي تقويم له إذا مال والرجز: رعدة في رجل الناقة لداء يلحقها يعدل بها عن حق سيرها، والرجز ضرب من الشعر أخذ من رجز الناقة، لأنه متحرك وساكن ثم متحرك وساكن في كل أجزائه، فهو كالرعدة في رجل الناقة، يتحرك بها، ثم يسكن، ثم يستمر على ذلك. وقوله " قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك " حكاية لمسألة قوم فرعون لموسى أن يدعو الله لهم بما عهد عند موسى، والعهد التقدم في الامر فمنه العهد الوصية، والعهود الوثائق والشروط. والعهد مطر بعد مطر قد عهد قبله. المعاهد المعاقد على الذمة، والتعاهد التقدم في تفقد الشئ وكذلك العهد وقيل في معنى " بما عهد عندك " قولان:

أحدهما: بما تقدم إليك به وعلمك أن تدعوه به فإنه يجيبك كما أجابك في آياتك.

الثاني: بما عهد عندك من العهد على معنى القسم. وقوله " فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه " فيه إخبار من الله تعالى أنه لما كشف عنهم العذاب عند ذلك وأخرهم إلى أجل هم بالغوه يعني أجل الموت " إذا هم ينكثون " وانهم عند ذلك نكثوا ما قالوه ولم يفوا بشئ منه. والعامل في (إذا) " ينكثون "، وليست (إذا) هذه (إذا) المضافة إلى جملة، بل هي بمنزلة - هناك - وهي المكتفية بالاسم، ولو قال (إذا النكث) صح الكلام، كما تقول: خرجت فإذا زيد. ومعنى (إذا) المفاجأة وفيه وقوع خلاف المتوقع منهم، لأنه أتى منهم نقض العهد بدلا من الوفاء، فكأنه فاجأ الرأي عجب من نكثهم، والبلوغ منتهى المرور، ومثله الوصول، غير أن في الوصول معنى الاتصال، وليس كذلك البلوغ. والانتهاء نقيض الابتداء في كل شئ، وإن لم يكن فيه معنى المرور. والنكث نقض العهد الذي يلزم الوفاء به. ومثله الغدر، إلا أن (الغدر) فيما عقد من الايمان على النفس، ولذلك جاء في نقض الغزل في قوله تعالى " كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا " (2) وأصله النكاثة وهي تشعيب الشئ من حبل أو غيره. وانتكث الشئ إذا تشعب والنكيثة نقض العهد، وجواب (لما) (إذا) ومثله قوله " وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون " (3) ولا يجوز أن يجاب بعد (إذ)، لأنها لوقت الماضي والجواب بعد الأول، يقتضي الاستقبال، ولذلك صلحت فيه الفاء ولم يصلح الواو، وحرف الجزاء يقلب الفعل دون الوقت.


1- سورة 74 المدثر آية 5.

2- سورة 16 النحل آية 92.

3- سورة 30 الروم آية 36.